top of page

أوقف المباراة يا حكم

عادت ابنتي ذات يوم من مدرستها وهي غاضبة، وعندما سألتها عن السبب أخبرتني أن معلمتهن كانت قد عينتها الأسبوع الماضي قائدة في مجموعة من خمس طالبات من زميلاتها، وأنها أخبرتها أن مهمتها هي التفتيش على الواجب، وإنزال الفتيات إلى الساحة عند وقت الفسحة، لكن أمس حصل شجار بين اثنتين من زميلاتها، ووصلت المشادة الكلامية إلى حد تبادل الشتائم. وفيما كانت الفتيات يحاولن إيقافهما كانت ابنتي في كرسيها منشغلة بواجباتها، ولم تلق لهن بالاً. وفي اليوم التالي جاءت المعلمة وعاقبت الفتاتين وعاقبت برفقتهن ابنتي، إذ كانت حجتها أنه يفترض عليها أن تبلغ المعلمة عن الشجار فوراً، وعندما شرحت لها ابنتي أنه لم يكن الإبلاغ عن الشجارات ضمن مهامها كقائدة، قالت المعلمة: «في بعض المواقف لا يعلمك أحد، لا معلمة ولا قانون، كيف تتصرفين، في هذه الحالة يجب أن تحكمي عقلك، وتتصرفي، وتتخذي القرار المناسب». في الحقيقة، ورغم أن ابنتي لاتزال منزعجة، إلا أني أعتقد أن هذه المعلمة أعطت ابنتي درساً من دروس الحياة الثمينة، وربما اختصرت عليها تجربة قد تكون مريرة، كم من القادة للجيوش الذين اتخذوا قرارات مصيرية في اللحظة الأخيرة، وكم منهم لم يتخذوها وانهزموا هزيمة ساحقة، مثل المريض الذي تصبح حياته معلقة على قرار يتخذه الطبيب، أحياناً في عُشر من الثانية الأخيرة يتخذه وينجو المريض، وأحيانا يفضل أن يكون سلبياً تجنباً للمساءلة القانونية في حال ازدادت حالة المريض سوءاً بسبب هذا القرار. في بعض المواقف لا تعطينا الحياة وقتاً للتفكير الطويل، القرار المناسب يجب أن يُتخذ في اللحظة المناسبة، لذلك يجب أن نفكر بعقلانية ومنطقية، ونحسب الخسائر والأرباح بسرعة، ثم نتوكل على الله ونقرر.

يذكرني هذا بقصة وقعت خلال مباراة تمت في ملعب «وايت هارت لين» في بريطانيا عام 1945، وكانت المباراة بين «الأرسنال» الإنجليزي و«سبارتاك» الروسي، وفي منتصف المباراة جاء ضباب كثيف انعدمت معه الرؤية، طلب الجمهور واللاعبون من الحكم إيقاف المباراة، إلا أنه رفض بحجة أن «سبارتاك» جاء من روسيا للعب المباراة ولا يجوز تأجيلها، وبسبب الضباب الكثيف عاد أحد لاعبي «الأرسنال» للعب، وكان طُرد في منتصف المباراة، ولم يميزه الحكم بسبب الضباب. أما فريق «سبارتاك» فقد ادعى أنه أجرى تبديلاً بين لاعبين، إلا أن اللاعب الآخر لم يخرج، ولم يعلم الحكم بسبب الضباب، حتى أصبح الفريق الروسي يلعب ب 12لاعباً بدلاً من 11. ليست هذه الكارثة، الكارثة هي عندما اندفع حارس «الأرسنال» بكل قوته ليتصدى لإحدى الكرات، إلا أنه اصطدم بالعارضة لأنه لم يرها وسقط فاقداً وعيه، ليست هذه الكارثة التي أقصدها، إنما المصيبة عندما نزل أحد المشجعين من المدرجات ليحل مكانه، وكذلك لم يلاحظه الحكم. لم يكن أحد ليتضرر لو أوقفت المباراة، بل لو أن الحكم فكر قليلاً واتخذ القرار الصحيح، فأي مباراة هذه التي يمكن لمخلوق التنافس فيها وهو لا يكاد يرى يده من الضباب؟

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/506a38be-6f77-4dcb-80a8-42d5ad877f61#sthash.ZtVDPZMH.dpuf

لمشاهدة المادة من المصدرأضغط على الرابط التالي :


bottom of page