top of page

المخلوقات التي لم نفكر بها


اسمحوا لي اليوم أن أحدثكم عن أشياء صغيرة، نصادفها تقريباً كل يوم، لكننا لا نعيرها أدنى درجات الاهتمام، ليس فقط لأن حجمها صغير بل أيضاً لضعفها، وغالباً - إذا نظرنا إليها - نحارب وجودها ونمقته، أحدثكم عن "الحشرات". قمت بشراء مجلة ناشيونال جيوغرافيك، وقد أرفق مع ذلك العدد من المجلة هدية للقراء عبارة عن تقويم يحوي صور لأنواع من الحشرات، تم تصويرها بدقة عالية بواسطة المصور "يوسف الحبشي" تدفع القارئ للتأمل والتعجب.

وربما يكون "الصرصور" هو أول ما خطر في بالكم إذ أنه أشهر الحشرات وأكثرها قرفاً، أنا شخصياً لا يمكنني حتى النظر إلية، بل وصلت لمرحلة أتساءل لماذا وُجدت الصراصير؟ الحقيقة أن الصراصير هي التي يجب أن تسأل لماذا وُجدنا؟!.. فنحن الدخلاء عليها في هذا الكوكب وليس العكس، إذ يقدر عمر هذه الكائنات ب250مليون سنة، بينما تتنوع النظريات لكن معظمها تنص على أن عمر الانسان لا يتجاوز 40ألف سنة، ورغم أن الأرض منذ الماضي السحيق تتعرض لحوادث طبيعية من سقوط مذنبات أو براكين وزلازل تتسبب في إبادة وانقراض عدد كبير من المخلوقات مثل الديناصورات، إلا أن الصراصير نجحت بالبقاء. طبعاً أنا لا أقول ألا يتم التخلص منها ومكافحتها فهي تسبب عدد لا يحصى من الأمراض مثل حمى التيفوئيد والإسهال والدوسنتاريا وغيرها الكثير، إنما أريد أن تكون نظرتنا للأمور أكثر عمقاً وتفكراً. ليس فقط من ناحية قدراتها الهائلة بل أيضاً لجمالها الفائق، فليست جميع الحشرات مقززة، وتعيش في الأماكن القذرة، لن أضرب المثال هذه المرة بالفراشات ذلك لأني أريد أن أثبت لكم أن عالم الحشرات واسع ومتنوع، لكنه بحاجة إلى فرصة أن ننظر إليه. "سرعوف الأوركيد الماليزي" هذه الحشرة كأنها مخلوقة من زجاج، تعيش في المزارع ويحبها المزارعون لأنها تخلصهم من الحشرات الضارة، أجمل ما فيها هو أسلوبها بالتمويه فيأخذ جسمها شكل الوردة بينما أقدامها تأخذ شكل الأوراق.

الذي أصل إليه أننا تعلمنا منذ طفولتنا أن نكره الحشرات، وكبرنا وتبعنا هذه الفكرة دون محاولة للتأكد من صحتها، قيسوا هذا الأمر على مختلف مجالات الحياة، كم من الأفكار التي نؤمن بها دون أن نعرف السبب؟ كم من تقليد أُرغمنا على إتباعه؟ كم من عادة أسرتنا وقيدتنا؟ نحتاج أحياناً فقط أن نفكر. وأختم مقالي بعبارة من مجلة ناشيونال جيوغرافيك كُتبت في بداية التقويم الذي حدثتكم عنه: "مازال عالم الحشرات، على عظمته وجماله، لم ينل نصيبه المفروض من الاهتمام والاعتبار، فهناك فئة كبيرة من الناس تنظر إليه بعين الازدراء. لكن شاباً إماراتياً يدعى "يوسف الحبشي" قد أفلح إلى حد كبير في تغيير تلك النظرة المستهجِنة إلى نظرة تأمل وانبهار". ومن هذا المنطلق أشكر الأخ "يوسف" وكل شخص لديه شغف بتسخير مواهبه وقدراته في توعية وتنمية معرفة المجتمعات البشرية قاطبة.


bottom of page