top of page

المبدأ واحد مهما اختلفت المهن


قد نصادف في حياتنا أشخاص من أمثال أؤلئك المحبطين، و الذين يبثون طاقتهم السلبية من حولهم، غير راضيين عن أي شيء، ولا يقنعهم أي شيء و نظرتهم للأمور نظرة انتقادية سوداوية، يحبون "التذمر" و يكثرون "التشكي" و نحن دائماً نرتكب خطئاً عندما لا نفرق بين هذه النوعية و بين نوعية أخرى من الناس "المخذولين" و هم أشخاص – من وجهة نظري- يستحقون النصح و الدعم، فقصصهم غالباً تتمحور حول حلم ضائع و طموح مكسور. مع الأسف فإن زميلة لدي في العمل تنتمي إليهم، كانت دائماً تقول: "كنت أريد أن أصبح طبيبة" و في كل ملاحظة تتلقاها على أدائها، أو عند حصول مشادة كلامية مع الزميلات الأخريات كانت تردد: "أصلاً كنت أريد أن أصبح طبيبة". و الحقيقة أن قيمة الإنسان ليست حسب التخصص الذي يدرسه، أعتقد أن قيمته حسب البصمة التي تركها في الحياة، يوجد ملايين الأطباء في الكرة الأرضية، لكن هناك فنانين و معلمين و نشطاء و آخرين، تمكنوا من إحداث منعطفات في مسار التاريخ، منهم من اعتلى منصات نوبل، و منهم من رقد تحت قبره قبل أن يعرف أنه عظيم، لكن التاريخ خلده. يُحكى أن هناك معلمة تم تعيينها في مدرسة بدلاً عن معلمة حصلت على إجازة أمومة، و بطبيعة الحال، دخلت إلى الفصل و بدأت تشرح الدرس بعد أن قامت بالتعريف عن نفسها، و في نهاية الحصة و كما هي عادتها فإنها تسأل عشوائياً أسئلة عن الدرس كمراجعة سريعة، فسألت أحد الطلاب و الذي وقف بتردد و هو ينظر الى الأرض بخجل، ولاحظت المعلمة الابتسامات في أوجه الطلاب، و آخرين منهم لم يستطيعوا إخفاء الضحكات، و كانت تعرف – من خلال مسيرتها التعليمية - أن الأطفال لا يضحكون معاً إلا لوجود سبب سري- عندما خرج الجميع استدعت المعلمة ذلك الطفل و سألته عن سبب ضحك زملائه، أخبرها بأن معلمته السابقة اعتادت أن توبخه و تهينه على كسله، و أنها في الآونة الأخيرة أصبحت تسخر منه حتى أصبح أضحوكة الفصل، كتبت له المعلمة بيتاً شعرياً و طلبته أن يحفظه عن ظهر قلب، في اليوم التالي كتبت البيت على السبورة و طلبت من الطلاب أن يقرؤوه، و مسحته، ثم سألت: "من الذي حفظ البيت؟" تبادل الطلاب نظرات استغراب فيما بينهم، إذ يستحيل على أحد أن يحفظ البيت بهذه السرعة، إلا أن الطالب الذي اعتادوا أن يسخروا منه رفع يده، بخجل و تردد، ثم نهض و سرد البيت، صفق الجميع له بحرارة، و هم ينظرون نحوه بذهول، أعادت المعلمة نفس التصرف، و من ثم توقفت عنه، إذ لاحظت أن الطالب أصبح يشارك دون الحاجة إلى أن تخبره بالإجابة مسبقاً، بل أصبح يناقش، ولا يخجل من أخطاءه، ليس فقط في مادتها، بل وصلها من المعلمين الآخرين أن تغيراً ملحوظاً طرأ عليه، و أصبح لديه الكثير من الأصدقاء، ببساطة هذه المعلمة أنقذت مستقبل الطفل. الذي أصل إليه، أن لكل مهنة عظمتها و أهميتها فلا يمكن للحياة أن يكون أساسها مهنة واحدة، إلا الذين يريدون من وظائفهم أن تعطيهم برستيجاً و مظهراً يفاخرون به، و لا يمتلكون أي رغبة في الإنتاج و التنمية، هؤلاء سواء كانوا معلمين أو أطباء أو مهندسين، فإنني أخشى أنهم يتجهون إلى مزبلة التاريخ بأقدامهم.


bottom of page