top of page

الحرية لمن ؟


الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا، أوصلت أخيراً، مع الأسف، للغرب، حكومات وشعوباً، الرسالة التي كنا طوال عدة سنوات نحاول إقناعهم بها، ومفادها أن السبيل نحو مكافحة الإرهاب التعاون الدولي في عدة مجالات أولها التبادل المعلوماتي الاستخباراتي لأنشطة الجماعات المتطرفة وأفرادها وتنقلاتهم، كذلك سن قوانين صارمة وقوية على تدفق الأموال، فضلاً عن تقييد الحركة وتشديد إجراءات التفتيش والمراقبة والمتابعة. ولا ننس أهمية الوصول لتعريف واضح ودقيق لمفهوم الإرهاب. مع الأسف مرة أخرى، أن جميع هذه المطالب كانت تُرفض تحت حجة واحدة أنها تتعارض مع قيم الحرية.

لم يكن من داع لأن يسقط الضحايا، وتصبح شوارع باريس مستباحة لإدراك فدح الخطر الذي حاق بالفرنسيين، نتيجة التساهل والتسامح مع أناس قساة لا توجد في قلوبهم أي رحمة أو شفقة أو أي عرف إنساني أو أي مبدأ قانوني.

لقد وقع الهجوم الدامي في باريس، فهب العالم برمته، مستذكراً التنبيهات والتحذيرات، فعادوا وسنوا قوانين تمكنهم من طرد البعض من هؤلاء الإرهابيين، فضلاً عن إسقاط وسحب الجنسية الفرنسية من البعض الآخر، وغيرها من الإجراءات التي كان من المستحيل قبل بضعة أشهر أن تتخيل دولة بحجم فرنسا أن تقوم بها. ولو قدر وقامت بمثل هذه الإجراءات دولة في عالمنا العربي أو منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، لما صمتت منظمات حقوق الإنسان، ولأصدرت البيانات المنددة والمستنكرة. لطالما كانت أوروبا مأوى للجماعات المتطرفة، أفرادها يتنقلون في أرجاء القارة العجوز بكل حرية، فيجمعون التبرعات، ويلقون خطبهم المحملة كراهية وبغضاً ضد الغرب الذي آواهم ووفر لهم المأوى والطعام بل حتى المخصصات المالية التي يتم استقطاعها من دافع الضرائب. وهؤلاء هاربون من وجه العدالة في دولهم الأم، وجدوا في أوروبا مكاناً يحتمون فيه وينفثون من خلاله سمومهم على أوطانهم وأهلهم. بسبب أحداث باريس، كادت تسقط معاهدات الاتحاد الأوروبي، وأهمها معاهدة التنقل الشهيرة باسم «شنغن»، والتي تتيح لمن يزور بلداً أن يتنقل بنفس التأشيرة في عدة بلاد أوروبية أخرى. في تلك اللحظة الزمنية شعرت باريس بأن الإرهابيين الذين قدموا من بلجيكا، ونفذوا جريمتهم، استفادوا من التسهيلات وانعدام الحواجز وحرية التنقل، ولم يكن لهم هذا لو كانت الحدود مراقبة والإجراءات أكثر صرامة، خاصة إذا علمنا أن نقل السلاح تم بكل بساطة ومن دون أي خوف. أقول للغرب وللفرنسيين على وجه الخصوص: حتى لا تضيع دماء الأبرياء الذين سقطوا نتيجة هذه الهجمات وغيرها، لنعمل على مكافحة هذا الداء العضال، وليقف العالم في خندق واحد، هو خندق المحبة والتعاون والسلام.

---------------------------------------- -

لقراءة المادة من المصدر اضغط الرابط التالي:

http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/BCA53465-FD6E-4344-AF76-0FF035DC7A45


bottom of page