top of page

البكاء شفاء وسر إطالة العمر !!





في كثير من أوساطنا الاجتماعية العربية يُنشأ الأطفال على أن البكاء ضعف أو أنه عادة لا تليق بالرجال، رغم أن مثل هذه العادات بدأت تخف وطأتها، إلا أنها لاتزال موجودة بطريقة أو أخرى، تخفت وتظهر بين وقت وآخر. ولعل هذه واحدة من السلبيات التي ينظر بهاإلى البكاء، ولا يتواكب مع هذه النظرة معرفة ما للبكاء من أثر نفسي بليغ في الإنسان وصحته، وهذا الأثر الإيجابي بات متواتراً،ولعل البعض منا قد شعر به؛ فبعد البكاء نشعر بأننا في حالة نفسية أحسن مما سبق. لكن هذا اليوم يدخل على الخط العلم الحديث ويدلي بالرأي وفق دراسات وبحوث علمية، قرأت عن دراسة علمية نشرها فريق من الباحثين الأمريكيين من جامعة ماركويت، من أهم نتائجها أن البكاء يساعد في إخراج السموم من الجسم، إضافة إلى أنه يخفف من الضغط النفسي والعصبي الذي يمكن أن نتعرض له جميعنا دون استثناء. وبينت الدراسة أن كبت المشاعر وحبس الدموع يسبب التسمم، وأن عدم القدرة على البكاء كان السبب وراء العديد من الأمراض، وذهب هؤلاء العلماء إلى أن المرأة تعيش حياة أطول من الرجل بسبب تخلصها من سموم جسمها عن طريق دموعها؛ لأنها أكثر استعداداً للبكاء من الرجل، كما أن البكاء يساعد على إعادة التوازن لكيمياء الجسم. وكما أسلفت فإن لدينا في بعض أرجاء عالمنا العربي - وأعتقد بعض المجتمعات الأخرى أيضاً - تجديفاً ورفضاً لبكاء الرجال، وانسحب هذا الرفض حتى وصل للأطفال، حيث يعتبر البعض من الآباء والأمهات أن بكاء أطفالهم يتنافى مع تنشئتهم على الرجولة والقوة. وبحق لا أعلم من أين نشأت مثل هذه العادة؛ لأن في كتب تراثنا الكثير من القصص والأبيات الشعرية التي تبين أن هناك فهماً لما للبكاء من وظيفة هامة، ولم تظهر رفض أو استنكاف أو ما يسمى بالعيب عندما يبكي الرجل أو تنسكب دموعه، بل معرفة أنه يجلب الراحة ويجلي ما في النفس من حزن وهم. أسوق أبياتاً شعرية للدلالة على هذا الجانب، وهي للحارث المخزومي، الذي توفي في السنة 80 للهجرة - العصر الأموي - قال فيها: سأبكي ومالي غيرُ عيني مُعَوَّل ................ عليك ومالي غير حبك من جرمِ لعلَّ انسكابَ الدمع أن يذهب الأسى................ ويشفي مما بالنفوس من السقم. وكما هو واضح ذهب الشاعر لما بيَّنه العلماء الأمريكيون تماماً من أن البكاء يمنع الأمراض، فقد وضح الشاعر أن انسكاب الدموع يزيل السقم. أعتقد أننا لم نكن بحاجة إلى مثل هذه الدراسة ما دام تاريخنا فيه مثل هذا الإرث العظيم، لكننا مع الأسف نتجنى على مثل هذا التراث برفضه تارة أو بتجنبه تارة أخرى، وهذا التجنب يلاحظ بعدم دراسته وفهمه الفهم الصحيح. ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة والمثل الأعلى؛ فهو الذي انسكبت دموعه في كثير من المواقف والأحداث، وكانت خير معبر عن حالة الحزن والألم، ومن تلك المواقف ما روي عندما توفي ابنه إبراهيم، حيث ذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدموع، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟! فقال: يا ابن عوف:"إنها رحمة، إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".

------------------------------------------------ -


bottom of page