top of page

اترك لي وصية


يحكى أنه في عصر لويس الرابع عشر عاشت امرأة اسمها نينون دلانكو، حياة عبثية، على الرغم من ذلك فقد تمكنت من امتلاك كم هائل من المعرفة والثقافة، حتى إنها افتتحت صالوناً أدبياً أذهل باريس وكان يتردد عليه أرباب الأدب والفن والسياسة، وحتى إن الملك بنفسه استمع إليها في قصره وذهل من ثقافتها الواسعة . ورغم الحياة التي عاشتها استمر رجال دين بمحاولات هدايتها حتى رضخت وماتت في أحضان الكنيسة، لكنها لم تنته، إذ كتبت في وصيتها: "أطلب في تواضع إلى المسيو لارويه - وهو وكيلها - أن يسمح لي بأن اترك لابنه الذي يتلقى العلم ألف فرنك ليشتري بها كتباً" . أخذ الابن ألف فرنك، واشترى الكتب، وأصبح فولتير، نعم إنه الكاتب والفيلسوف الشهير، وتملأ أقواله وآراؤه كتب الفلسفة والكتب الثقافية، وهو الذي يعد من أهم فلاسفة عصر التنوير، إن وصية نينون دلانكو، كانت لها أبعاد خفية بين تلك السطور، ربما أنها كانت تعرف أنه عندما يشتري كتباً لن يتمكن من الخلاص من جمالها والذهول الذي تسببه للإنسان . هذا يقودني للتساؤل بعفوية: كم من أثرياء العالم يكتبون في وصاياهم أموالاً وثروات لأبنائهم؟ هل فكر أحد أن الكتب هي أعظم ميراث للإنسان؟ هل فكرت كأب أو كأم بالشيء الذي يقوي ويحمي أبناءك عندما تتمزق مظلة حمايتك؟ المال يصرف ويفنى، أما العلوم والثقافة كلاهما يجني المال ويبقى خالداً إلى الأبد، اتركوا الوصية التي حقاً سيحتاج إليها أبناؤكم، والتي ستجعل لكم بصمة في عالم الأحياء، بل اتركوا ما سيجعلكم شعلة متقدة على مر الأزمان والعصور، وهذا ممكن ولكنه لن يتحقق إلا بالرهان على المعرفة والعمل على تسخيرها لتكون مشاعة للجميع، وبهذا الفعل فإننا نضمن خروج أجيال من العلماء والدارسين الذين سيضعون مخترعات تفيد البشرية وعند العودة لتاريخهم فإن الجميع سيكتشف من وقف خلفهم ومن دعمهم ومن قدم لهم سبل التفوق والنجاح وسهلها وسخرها لهم من دون تمييز أو شروط ونحوها . بحق فإننا في عالمنا العربي نحتاج من الجميع من دون استثناء، أو شروط أو متطلبات، نظرة نحو المختبرات العلمية ودعمها، نحتاج إلى منح دراسية تقدم للطلاب والطالبات الأكثر حاجة وعوزاً، هؤلاء الذين لديهم شغف بالعلوم والكتب، لكنهم يقفون في عجز عن تلبية طموحاتهم ويضطرون لترك مقاعد العلم في الأروقة العلمية من أجل توفير لقمة العيش، نحتاج إلى مشاريع مؤسساتية وفردية مهمتها وهمها نشر العلم وجعلها مظلة للجميع دون استثناء .

لمشاهدة المادة من المصدر أضغط على الرابط التالي:


bottom of page