top of page

روح الاكتشاف



شكوى قد تكون متكررة ومستمرة، نسمعها بين وقت وآخر من بعض الأمهات، وهي التذمر من تكسير أطفالهن لألعابهم. واحدة منهن تقول عن ابنها: لا نكاد نشتري لعبة إلا ويقوم بمحاولة فكها وتكسيرها، وكأنه يبحث عن شيءٍ ما في داخلها، وبعد أن تصبح اللعبة محطمة تماماً يتركها وكأن فضوله أو ما يبحث عنه قد وجده أو انتهى وتوقف.

والحقيقة أن وصف الأم يكاد يكون صائباً؛ فعلاً عندما يقوم الطفل بتحطيم لعبته، فهو يقوم بهذه الممارسة بدافع الفضول والغريزة الموجودة في داخله، والتي تحثه على البحث ومحاولة الإجابة عن سؤال: كيف تعمل هذه اللعبة؟

الطفل في العادة مسكون بحالة من الفضول، لذا هو باحث بالفطرة، لكن الذي يحدث أن هذا الطفل كلما كبر وتقدم به العمر، يفهم أن هذه الممارسة خطأ جسيم، وكأننا نقوم بإلغاء هذا الفضول ونستبدله بقوانيننا. الذي يحدث أن الطفل فعلاً ومع مرور الأيام والشهور ثم السنوات يتخلى عن فكرة رؤية الأشياء بعمق، يصبح عقله مبرمجاً على عدم السؤال، وقد تم إلغاء الفضول تماماً، فلم يعد هناك شيء يثيره أو يحرك في قلبه رغبة الاكتشاف، أو لم يعد يجد ما يدعو للذهول والاستغراب ومحاولة البحث عن إجابات.

الذي حدث هو قتل روح الاكتشاف والبحث في روح وعقل هذا الطفل. وكما هو ملاحظ،فإن كثيراً من المخترعات والمبتكرات لا تثير لدينا أي تساؤل حول كيف بدأت ومن الذي وقف خلفها، بل وكيف تم تطويرها وآلياتها وعمقها. نحن غير مسكونين بالبحث عن الجوانب الخفية في كل مخترع وكل مبتكر، وهذا يعني أن نستهلك المعرفة أياً كان نوعها وشكلها دون تساؤلات.

توجد مقولة بليغة تعبر عن هذا الجانب لعالم الرياضيات الراحل جوتفريد لايبنتز، قال فيها: "هناك شيء أكثر أهمية من الاكتشافات الجميلة، وهو معرفة المنهج الذي تمت به هذه الاكتشافات".

ومن هنا نلتقط جانباً آخر يتعلق بمؤسسات التعليم على مختلف درجاتها ومراحلها: هل غرست روح الاكتشاف والبحث في قلوب الطالبات والطلاب؟ بل أين هي المراكز البحثية، سواء المستقلة أو التي تحت مظلة الجامعات، من تقديم دراسات علمية وبحوث تعالج هموم ومشاكل الناس، وتقدم حلولاً ومقترحات لصانع القرار في مختلف أوجه الحياة؟

كما هو واضح، فإن روح الاكتشافات وعمل البحوث والدراسات، تم قمعها منذ الطفولة، وهذا القمع كما يظهر مستمر معنا في مختلف مراحل الحياة.




bottom of page