دون شك أن تقنيات الاتصالات الحديثة وأشكالها المتنوعة المختلفة مثل التطبيقات المتعددة على هواتفنا الذكية أو حتى تلك التي نتصفحها ونشارك فيها بالقراءة والكتابة أو بالصوت والصورة والتي تعرف إجمالاً بمواقع التواصل الاجتماعي، سيطرت، إذا صحت الكلمة، على جزء كبير من وقتنا، بل أخذت حيزاً ومكاناً ليسا قليلين من اهتماماتنا وباتت هي المكون للكثير من آرائنا، وهي المورد والمصدر الذي من خلاله نحكم على مختلف جوانب الحياة. وبالتالي لم يعد بالإمكان تجاوز هذه الوسائل والتقنيات؛ لأنها ليست في جانب حياتي محدد، بل إنها شاملة وتغطي كل شيء تقريباً، فهي تتداخل مع الأفراد والأسر وتمس المجتمعات برمتها وغني عن القول إنها تؤثر حتى في الاستقرار والأمن والأمان، لأننا شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية كيف وجهت وعملت مثل هذه التطبيقات والمواقع لخدمة أهداف مشبوهة أدت لزعزعة الكثير من المجتمعات بل سببت فيها الفوضى وأدت إلى حروب أهلية طاحنة والبعض من تلك الأوطان يعيش في أتون الصراعات القاتلة حتى يومنا هذا. وتلعب هذه التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي بمشاعر الناس وعواطفهم، فلا حقيقة واضحة نقية تقال ولا فائدة مجردة تعطى، فكل واحد يتحدث وفق أجندته وأهوائه وتطلعاته، دون تعميم لأن هناك فوائد لا يمكن حصرها، لكن لا يمكن الركون وترك الباب مشرعاً. لذا عندما نقرأ عن أنظمة يتم سنها وقوانين يتم تشريعها تهدف لمعاقبة الكذب والتزوير والتأليب على هذه المواقع والتطبيقات فلأنه أيضاً نشأ تبعاً لها واقع جديد يتعلق بالاعتداء على خصوصيات الآخرين والتدخل حتى في النيات وما يمكن للنفس أن تضمره، فضلاً عن الاعتداء على الأوطان ومحاولة إشعال الفتن وخلق العداوات وهذا جميعه يتم ويحدث تحت شعار حرية الرأي، وكما قال الفيلسوف والأديب الفرنسي رولان بارت «أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك». مواقع التواصل الاجتماعي والفوضى التي تعمها في مجال الرأي وطرح المواضيع وما يصاحبها من أكاذيب ونقل للشائعات خير مثال لهذه المقولة بل خير واقع يمكن إسقاط هذه الكلمات عليه. نعم كل قانون يتم تشريعه وكل تنظيم يتم وضعه ليس للحد من حرية الآخرين بل من أجل أن يفهم الجميع أن الحرية مسؤولية ولا تعني أبداً الفوضى.