top of page

لا مكان للوهم



منذ فجر التاريخ البشري رافقت الخرافات مسيرة الإنسان، حيث كانت هي الملاذ لتفسير الظواهر الطبيعية التي تحدث ويعجز العقل البدائي والعلم المتواضع في ذلك الزمن عن تفسيرها، فلم يكن هناك من وسيلة سوى الخرافة، التي تقدم تفسيراً يقنع العقول ولكنه في اللحظة نفسها بعيد كلياً عن الحقيقة، ويستند على الخيال والأرواح الشريرة وتفسيرات عن الخوارق ونحوها. ومع تزايد العلوم وانتشار المخترعات والتوسع في الكشوف العلمية، تضاءل الكثير من هذه الخرافات أو تم التضييق عليها أمام وهج المعرفة، ومن أهم الحقول التي كان ميدان الخرافة خصباً فيها هو الفضاء والعلوم الفلكية بصفة عامة، فعلم الفلك نفسه لم يتم الاعتراف به كعلم إلا خلال أقل من قرنين من الزمن، وهي فترة زمنية قليلة إذا ما قورنت مع علوم أخرى تعارف الإنسان عليها كعلم وآمن بجدواها وأهميتها. وإذا أمعنا النظر والملاحظة بشكل جيد، فسنجد أن هناك علاقة طردية بين الحضور القوي للعلم واضمحلال الخرافة، أو تصاعد الخرافة أمام غياب أو تدني العلم في مجال ما. على سبيل المثال، مجال علمي مثل الرياضيات كان ينظر لمعادلاته وحساباته وفق تفسيرات خرافية لا أساس لها من الصحة نهائياً، لكن مع وضع القوانين الرياضية وتزايد العلماء الذين كافحوا ونافحوا عن شرعية الرياضيات التي كان ينظر لها البعض بأنها خزعبلات سحرية، انهزم جميع الإرث المبني على الخرافة أمام صعود الرياضيات كعلم. وأيضاً إذا استحضرنا الطب، فهو مجال واسع وخصب للشواهد في هذا المجال، حيث كانت تفسر الكثير من الأمراض بأنها بسبب الأرواح الشريرة أو السحر والشعوذة وبالتالي فإن علاجها يتم بنفس الآلية وهي الشعوذة وطلب العلاج من الكهنة والعرافين. هذا جميعه أخذ في التلاشي أمام التطورات الهائلة في حقول الطب المختلفة، حيث بدأ ما يعرف بالتشخيص الطبي وتطور تكنولوجيا الكشف والتحاليل يدحض هذه الخرافات ويفسر بشكل علمي المرض وسببه وكيفية علاجه. والملاحظ في هذا العصر تحديداً أن مجال الفضاء ما زالت عوالق الخرافة متشبثة ببعض جوانبه، لأنه يعتبر من الحقول العلمية الحديثة، وبالتالي فإن التطورات فيه لا تقارن بالمجالات العلمية الأخرى، لذا نسمع بين وقت وآخر بمن يتنبأ بمداهمة كوكب ما للكرة الأرضية وتدميرها أو سقوط نجم هائل وتدمير الأرض، أو اقتراب كوكب ضخم يسبب تغير مناخ الأرض، وغيرها الكثير من التوقعات والتنبؤات التي يتم بناؤها على معلومات خرافية وخزعبلات لا أساس لها من الصحة ولا رافد في الواقع لها، لكن كلما ظهرت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ونشرت صوراً وفندت هذه المزاعم تخرس الخرافات ومن يروجها، وهكذا أمام العلم لا مكان للوهم.


bottom of page