أعتقد أنه يوجد نوع أو صفة من الفن في شخصية الإنسان يفتقدها الكثيرون من الناس، وهو فن التعبير، بل هي صفة تكاد تكون منعدمة وغير متواجدة لدى شريحة واسعة منا. وقد يستغرب البعض مثل هذا القول، والبعض الآخر قد يختلفون ويقولون إن التعبير أو الكلام مع الآخرين مستمر في حياتنا، وهذا صحيح ولكن الكلام والتحدث مع الآخرين والتعبير عما تعتلج به نفسك وما يدور داخل ذهنك وعقلك شيء آخر، لذا قلت في بداية كلماتي: فن التعبير، وهو في الحقيقة فن يحتاج للتدرب والتعود، ورغم هذا لن يستطيع أي منا تحقيقه وممارسته إلا باستخدام طريقة جوهرية وهي المصداقية فلا قيمة لممارسة فن التعبير دون أن تكون صادقاً، لأن التعبير دوماً يأتي من صميم القلب ومن داخل الروح، لذا يعتبر صعباً، ويعتبر الكثيرون أننا نمارس التعبير مع الآخرين والحقيقة أنه ليس تعبيراً وإنما هو حديث وكلام ولا أكثر. لو قدر لأي منا وقرر أن يمارس هذا الفن الإنساني مع الآخرين، وأن يعبر دوماً، فهو في الحقيقة اتخذ قراراً للتعبير وجلب واستحضار الكلمات من قلبه، بمعنى أن المصداقية ستكون دون حدود لديه. كلمة التعبير نفسها تدل على اختلافها الجوهري عن الكلمات السطحية، هي كلمة تشعرك بأن مفرداتها تصدر من القلب والروح وداخل النفس. نحن نحتاج ليس لممارسة هذا النوع من الحديث مع الآخرين لمرة أو في البعض من الأوقات، ولكن أن يكون هذا حديثنا الدائم، بمعنى كلما كان هناك موضوع يحتاج للنقاش والحوار، وهيمن عليه التعبير العفوي الصادر من القلب فإنه ودون شك سيكون أكثر مصداقية. يقول ستيفن ليفين «لو أنك ستموت قريباً ولديك مكالمة هاتفية واحدة لتقوم بها، فمن الذي ستتصل به؟ وما الذي ستقوله له؟» والذي هدفت به من خلال إيراد هذه المقولة، هو عمق الكلمات التي ستقال في هذه المكالمة، فهي لن تكون مكالمة عادية وعابرة بل عميقة وتحمل معاني واسعة، إنه التعبير الذي نحتاج للتدريب على ممارسته والتعود على استحضاره بشكل دائم في أحاديثنا الدائمة.