لنكن أكثر وضوحاً ودقة عند الحديث عن العلم وأثره، خاصة عندما تسمع أحدهم يقلل من قوته، ومن مكانته وفائدته العظيمة للبشرية. العلم ليس ترفاً ولا هو رغبة مؤقتة أو نزوة مرت وانتهت، ولا هو موضة بدأت في مكان وأخذت في الانتشار ثم بدأ يخفت وهجها وتفقد الاهتمام، ولا هو رغبة فرد أو مجموعة بمجرد الملل توقف وانتهى. العلم أعظم مكانة وأكبر قدراً من مثل هذه الجوانب جميعها، العلم هو الحاجة الملحة لنا جميعاً، للفرد وللمجموعة على حد السواء، ولكم أن تتخيلوا مجتمعاً ما ينبذ العلوم ويكره العلم ويقاومه، ومجتمعاً آخر مزدهراً يفتح آفاق التفكير والبحث والتحليل والدراسة، ويدعم المبتكرين والمخترعين، كيف ستكون حال كل واحد منهما من مختلف النواحي الاقتصادية والصحية والرعاية الاجتماعية والفقر والثراء وغيرها الكثير؟ بل لمن ستكون الغلبة والقوة لو قدر ودخلا في حرب؟ ستجدون ودون أدنى شك أن المجتمع الأكثر ازدهاراً واستقراراً هو الأكثر تطوراً وعلماً ومعرفة، وستجدون دون أن تخطئ العين أن المجتمع المهتم بالعلم ودعم العلماء هو الأكثر رفاهاً على مختلف الصعد. لن أقول تنعدم فيه السلبيات؛ لكنه سيكون مجتمعاً يمكن للضعفاء والمتعثرين العيش فيه والمشاركة والأمن على أنفسهم، عكس المجتمع الذي يرفض العلم ويعيش بتقليدية؛ حيث ستشعر بأنه مجتمع قاسٍ تنعدم فيه روح العمل والإنتاج وأيضاً توجد فيه عثرات تنموية بالغة الخطورة. العلم ليس ترفاً ولا هو رغبة عند فرد ما أو مجتمع محدد دون سواه؛ بل هو منهج حياة لمن يريد الحياة المستقيمة القوية الراقية. الدكتور دريك هارولد بارتون، الكيميائي البريطاني الحاصل على جائزة «نوبل» في الكيمياء، لديه تعليق بليغ يتمحور حول العلم، قال فيه: «أنا لا أعتقد بأن ازدهار العلم حالياً يعود ولو بأدنى قدر إلى تقدير حقيقي لجمال هذا الموضوع وحقله الثقافي؛ بل إنه يعود ببساطة إلى حقيقة أنه لا يمكن الحصول على السلطة والثروة والمقام المعتبر إلا من خال تطبيق العلم بشكل صحيح». إذن التوجه نحو العلم والتعلم ليس لرغبة إكمال مظهر ينقصك أو خصلة جميلة تريد أن تملكها؛ بل إنه إذا أردت التفوق والتقدم والبناء الحضاري ومسابقة الأمم فعليك بمضمار العلوم وتطويرها ودعمها، ومع الأسف هذا المضمار هو ما تتجاهله الكثير من بلدان عالمنا العربي.