يتحدث معظم الناس عن فوائد القراءة، إذ أنها تكوّن للإنسان حصيلة لغوية كبيرة فتجعل منه متحدثاً بارعاً، وتزيد خبرته في الحياة، وتمكنه من أن يفكر بعمق فيصبح له أفكار جديدة غير التقليدية والسائدة، القراءة رياضة العقل وغذاؤه، طالما كررنا ذلك، لكن الحقيقة أن تأثيرها لا يقتصر على العقل فقط، أو على شخصية الإنسان، بل هناك أمر أكثر أهمية، وهو تأثيرها على الجسد، نعم صدق أو لا تصدق فقد أجرت جامعة بنسلفانيا الأمريكية دراسة على 1800شخص نصفهم يقرؤون والنصف الآخر لا يقرأ، وتم إجراء فحص طبي لهم، فتبين أن الذين يقرؤون كانوا أصحاء تماماً، أما الذين لا يقرؤون فكانوا يعانون من أمراض مختلفة، ومنها الضغط والسكر والقولون وقرحة المعدة، غير اضطرابات النوم والقلق والتوتر.
ذلك لأن القراءة تؤثر في مشاعر الإنسان ونفسيته وأحاسيسه وهكذا تؤثر في هرموناته، على سبيل المثال السكر الذي يرتفع وينخفض نتيجة لعوامل نفسية، وغيرها مثل الأمراض الجسدية الأخرى التي تكون نتيجة الحالة النفسية، القراءة تعزل الإنسان عن الضغوطات لذلك تقلل من التوتر، وتجعل الإنسان ينظر إلى الحياة بطريقة وأفكار مختلفة، تزيد الراحة النفسية، وأخيراً بعد أن ثبت كل هذا علمياً تم اعتماد "العلاج بالقراءة" كعلاج طبي مجدي.
كنت أتحدث عن العلاج بالقراءة لإحدى الزميلات وذلك عندما قرأت من هاتفها خبر عن منظمة الصحة العالمية، والتي اختارت اسم "طاعون العصر" لمرض التوتر، فالتوتر ضمن الأسباب المؤدية إلى 70-80% من الأمراض البدنية، كنت أخبرها كيف أن القراءة تحارب التوتر والضغوطات، واجهتني بشدة وردت بأن كل شيء في العالم أصبح بائساً، حتى الكتب!
لا أعرف كيف أطلقت هذا الحكم فالكتب صادرة من حقب زمنية مختلفة، ليست مثل الأخبار التي تهتم بمشاكل هذا العصر وفي لحظة محددة، ومن جنسيات متعددة وأنواعها كثيرة، لذلك فأنا أعتقد أن هذه الزميلة أخطأت باختيارها للكتب، الذي أثّر على نظرتها للقراءة وبذلك هي حرمت نفسها من فائدة عظيمة. مع الأسف أن أمثالها كثيرون، وقد كنت منهم في يوم من الأيام على سبيل المثال عندما قرأت عن رئيس جنوب أفريقيا السياسي المناهض للفصل العنصري نيلسون مانديلا، كنت لا أقلب صفحة إلا بعد أن أذرف الكثير من الدموع تأثراً بنضاله وتضحياته، فهو لم يقضي على العنصرية فقط بل كافح الايدز وأنشأ ملاجئ للأطفال المشردين، وتحولت جنوب أفريقيا إلى وجهة سياحية عالمية بعد أن كانت مرتع للأمراض والفقر، وأخيراً استضافت كأس العالم عام2010 ، لذلك فهو من الشخصيات المؤثرة في حياتي، لكني بالغت حتى أصبحت معظم كتبي عن حقوق الإنسان والظلم والنضال، وفي كل مرة أذرف الكثير من الدموع، هذا الأمر الذي جعلني أربط القراءة بالحزن، غيرت توجهي وقرأت روايات الخيال العلمي وقصص النجاح الملهمة، لأكتشف فيما بعد أن القراءة نموذج مصغر للحياة بتنوعها واتساعها. لا تظلموا القراءة عندما لا تجيدون اختيار الكتب. فكما يُقال: "الشيء الأندر من الكتاب الجيد هو القارئ الجيد".