الحياة اليومية تجبرنا على إطلاق الأحكام لنتمكن من صنع قرارات تسيّر لنا حياتنا، نعتقد أننا عندما نفكر لنحكم على شيء ما أننا نفكر بشكل منطقي وواقعي معزولين عن عوامل كثيرة مثل العاطفة أو الجهل، ولكن في الحقيقة حتى لو عزلنا عاطفتنا عندما نصنع قرارا ما وحتى لو كنا ملمّين بالموضوع على أكمل وجه ودقّة، هناك مغالطة قد نقع بها دون أن نشعر، ولن نتمكن من تجنبها إلا في حال كنا على وعي كامل بها، ألا وهي المغالطة المنشئية. قد يبدو هذا الاسم مستخرجا من بطون كتب المنطق وغير مألوف للكثير ورغم ذلك فإن ممارسة المغالطة المنشئية أكثر ما يقع فيه الانسان عندما يفكر ويقرر ويحكم.. إذن ماهي؟ وكيف نتجنبها؟ يقول جوردور أولبورت وهو عالم نفس أمريكي: ما نكاد نتلقى حبة من الوقائع حتى نشيّد منها قبّة من التعميمات. هذه الاقتباس القصير يختصر لنا مجمل معنى المغالطة المنشئية حيث أنها الحكم النهائي على موضوع أو شخص أو حالة بناء على تاريخها أو مصدرها عوضا عن تأمل وضعها الراهن وحاضرها. كثيراً ما نقع في هذا الفخ عندما نطلق الأحكام، وكثيراً ما تُرهق هذه المغالطة الأشخاص الذين تعهدوا أن يتغيروا للأفضل رغم ماضيهم السيء، لأن الناس ستظل تجتر التاريخ لإطلاق الأحكام، وفي أحيان هذه المغالطة تسيء لنا حيث نثق ونحب بشكل عشوائي بشخص ما فقط لأن شخصاً آخراً جدير بالثقة بالنسبة لنا امتدحه، وبعد تجارب مؤلمة يتضح لنا أننا أسئنا الحكم. في الواقع علينا أن نفكر بحاضر الأمور ونمحّصها ونتأملها جيدا قبل أن نطلق حكما ما، فمنشأ الأشياء، تاريخها، ومصدرها، قد يكون مضللا في كثير من الأحيان. وهذه القصة قد توضح لنا ببساطة التسلسل الذي نسير عليه عندما نرتكب المغالطة المنشئية: "تقول الديكة الرومية: الفلاح قدم الذرة لنا اليوم، وقدمها لنا البارحة، وقبل البارحة، الفلاح يقدم لنا الذرة منذ أشهر عديدة، الفلاح سيظل يقدم لنا الذرة للأبد، الفلاح يحبنا ويحرص على راحتنا وحياتنا". غني عن القول أن مصير هذه الديكة الرومية كان في فرن زوجة الفلاح.. وببساطة متناهية الذي نصل له، لا تحكم على شخص من ماضيه وتاريخه وإنما من واقعه، وأيضاً أفهم هذا الواقع لأن هذا الفهم سيقودك مباشرة لتلافي أي خطأ سواء في حق هذا الآخر أو في أي ضرر قد تتعرض له بسببه.