البعض من الآباء يريد من ابنه أن يكون صورة طبق الأصل منه، وهذا طبيعي فالأب يخشى على ابنه من ويلات الحياة، ويحاول أن يجنبه الحياة وقسوة تجاربها، فيجهز له وفق خبراته المهنية جوانب مستقبلية يريد من الابن أن يتوجه لها. وهذا الحرص أمر جيد، وهو فطري ومحمود، لكن إذا بات مثل هذا التفكير يطول كل جزئية من تفكير الابن، ويحاول أن يقضي على رغباته الذاتية أو طموحاته ونظرته للحياة وما يريد تحقيقه في المستقبل، عندها يكون هنا الخلل. البعض من القصص التي نسمعها في هذا السياق، أن الابن يحاول التملص وإفهام الأب بأنه لا يريد التوجه لنفس المهنة أو نفس المجال الذي ذهب لها، عندها يبدأ الأب بتسفيه أحلام ابنه، ووصفه بأنه صغير وبأنه لا يفهم الحياة، وأنه سيتسبب لنفسه بالفشل والتعثر، ثم أن الناس لن ترحم الأب وتصفه بأنه فاشل لأنه لم يعرف كيف يوجه ابنه للمستقبل. رغم أن مهنة الأب قد تكون مبدعة وجميلة ومتميزة، إلا أنه ليس من الضرورة أن يكون الابن نفسه أبيه، فقد تكون لديه تطلعات أخرى وهوايات ورغبات مختلفة، قد يبدع ويجد نفسه في مجال أهم. أتذكر قصة روتها إحدى الصديقات، وقعت فصولها في بيتهم وبين أبيها وأحد أشقائها، تقول أن والدها كان يعد شقيقها ليعمل مع أخوته في مجال التجارة في شركته، وكان يعول عليه كثيراً، والذي حدث أن ابنه بعد أنهى المرحلة الدراسية الثانوية، توجه للجامعة في مجال الحاسب الآلي، وعلى مضض وافق الأب وبعد تردد وتدخل الأم، لأن الأب كان يقول إذا كان يريد أن يكمل تعليمه الجامعي فعلى الأقل يتوجه لإدارة الأعمال أو الإدارة أو الاقتصاد أو التجارة أو نحوها.. أما الحاسب الآلي، فما هي الفائدة؟... في نهاية المطاف حقق الابن رغبته وتوجه لدراسة التخصص الجامعي الذي يرغبه، لكن المشكلة كبرت بعد تخرجه وإنها الدراسة الجامعية، حيث أصر الأب على أن يعمل الابن في شركته، بينما كان الابن لديه خطط أخرى، وهي تأسيس مؤسسة تقنية معلومات خاصة، غني عن القول أن الأب استشاط غضبا ودخل في مواجهة قاسية مع أبنه. أما الابن فقد أتسم بالذكاء، وتوجه لأبيه في اليوم التالي، ومعه عرض بأن تقدم مؤسسته مشروع تحويل معاملات شركة الأب لتصبح خدمات الكترونية، ليس هذا وحسب وإنما تدريب الموظفين على البرامج التقنية، وكان عرض الابن يشمل المحاسبة والجوانب المالية ورصد الحضور والانصراف، وموقع على شبكة الانترنت يقدم خدمات لزبائن الشركة والمتعاملين معها. شاهد الأب أبنه وهو يقف أمامه وأمام مسئولي الشركة، يعرض عليهم الخدمات والبرامج التي سيقدمها لهم، تقول صديقتي أن أبيها عندما عاد للمنزل قال لهم أنه أدرك في تلك اللحظة أنه قد أحسن تربية أبنه، وأحسن تعليمه، وبقي أن يتركه يتخذ قراراته الحياتية بنفسه ودون تدخل منه.