في هذا الزمن انتشرت أمراض معينة، حتى الشباب الذين يفترض أن يكونوا في سن القوة والنشاط، أصبحوا يتناولون الأدوية ويغرسون الإبر، وأصبح من النادر أن تجد شخصاً لا يعاني من مشكلة صحية، بالتأكيد أن الأسباب كثيرة، فهناك من سيقول بسبب نمط الحياة التقليدي الخالي من الرياضة و الحركة، و آخرون سيقولون بسبب الغذاء السيئ و الوجبات السريعة، و هنا من سيقول بسبب ضغوطات الحياة المختلفة، و الحقيقة أن كل هذه العوامل لا يجوز تجاهلها أو الاستهانة بها، إذ ثبت أنها المسبب الرئيسي للسكري و الضغط و القولون و غيرها من أمراض العصر.
وسط كل هذا يجب أن لا ننسى صفة مدمرة للصحة، "العصبية" أو الشخصية الحارة، قد يعتقد البعض أن العصبيون هم أولائك الذين سرعان ما يبدؤون بالصراخ و تحطيم الأشياء عندما يزعجهم أمر ما، لكن الحقيقة أن هناك عصبيين هادئين و هناك عصبيين لا أحد يعرف عنهم هذه الصفة، لكنهم يحترقون داخلياً، و هذا أخطر، لكن لنسأل عن أساس هذه المشكلة، لماذا يوجد ناس عصبيين و آخرين ليسوا كذلك؟ يقال أن العصبية قد تنشأ منذ الطفولة متمثلة في الغيرة عند الأطفال، أو بسبب تدليل الطفل حيث يستعمل العصبية كوسيلة للضغط للاستجابة لطلباته، أو أن يكون أحد الوالدين عنيفاً وعصبياً، فينشأ الطفل و هو يمتلك هذا السلوك، ولا ننسى مرحلة المراهقة و التي يحدث فيها تغيرات فسيولوجية يمر بها الإنسان والتي قد تجعل حساسيته المفرطة مدخلاً لشخصية عصبية مقيتة، و من ثم يدخل الإنسان معترك الحياة، في ميدان الدراسة أولاً ثم العمل و الزواج و التربية، و هكذا.
أعتقد أن الإنسان قادر على التحكم بسمات شخصيته التي تحدد نظرته إلى الحياة، والأمر لا يعتمد فقط على الشخصية بل هناك عادات تساعد على التغلب على ضغوطات الحياة، إحدى الزميلات في العمل كانت لا تعرف الكثير من الأشياء الإدارية في بداية عملها، وهذا كان يجعلها عرضة للتوبيخ والجميع يدلي ملاحظاته وينتقدها، إلا أنها مع بداية كل يوم تصل إلى العمل بابتسامة مشرقة وروح معنوية عالية، كانت قوية و صامدة أمام كل صعوبات العمل وضغوطاته، وهي اليوم من أكثر الموظفات براعة وإتقان، عندما يسألها أحد عن سر تسامحها مع المتاعب المحيطة بها وسعادتها الدائمة، تقول: أنها دائماً في الصباح تتناول وجبة الفطور وتمارس الرياضة قبل خروجها إلى العمل، وأنها شاهدت في فيلم وثائقي عنوانه "هل يمكننا العيش طويلاً" قدمه العالم الأمريكي المختص بالفيزياء الفلكية و الفيلسوف "نيل تايسون"، قال زوجان عجوزان تم إحضارهما كنموذج لأشخاص معمرين: "نحن لا نتشاجر على الأشياء التافهة". و قد بقيت هذه الكلمة محفورة في ذهني".
كثير منا لا يهتم بغذائه وخصوصاً وجبة الفطور، ولا يمارس الرياضة كعادة أساسية في الحياة، ولا يتغاضى عن الأخطاء البسيطة التي تبدر من الآخرين، يضع قيمته رهناً على نجاحه أو فشله في العمل أو المدرسة، يبذل جهداً و وقتاً على حساب صحته، و من ثم يقول لماذا نحن عصبيين و لماذا نحن مرضى؟!. ببساطة لأننا اخترنا أن نكون كذلك.