
السؤال الفلسفي بالغ الصعوبة الذي نسأله أنفسنا بحنق واعتراض وألم هو: لماذا تحدث الأمور الضارة؟ لماذا نمرض؟ لماذا نفقد عزيزاً؟ أو نخسر؟ لماذا أيضاً تحدث الأمور المزعجة للأناس الطيبين بينما أشرّ القوم ينعمون بالراحة والهناء؟ ربما هذا السؤال الذي يتبادر لذهنك أو تبادر لذهنك فيما مضى، لعله لا يمتلك اجابة مباشرة وصريحة وواضحة، غير أنك عندما تطرحه بصوت عالٍ ستجد من ينهرك ويقول لك "يجب أن تؤمن بقضاء الله وقدره" ورغم أن الإيمان بالقضاء والقدر مهم والتسليم لأمور الله خيرها وشرها يكمّل ويقوّي الإيمان إلا أننا لا يجب أن نستخدم جملة "آمِن بقضاء الله وقدره" كوسيلة لإغلاق أفواه المتسائلين بحنق "لماذا يحدث هذا؟" إن الإيمان بقضاء الله قناعة يمتلكها الإنسان عندما يدرك الأسباب الغيبية والخفيّة التي قدّرها الإله له، وليست فعلاً إرادياً يقوم به كالصلاة أو الدعاء أو الصيام، إنها قناعة أي انها فكرة ونشاط ذهني.. لذلك إذا أردنا أن نجيب على سؤال "لماذا تحدث الأمور الضارة؟" علينا أن نفكر، ونزرع فكرة، ونؤمن بها.. هذه الطريقة الوحيدة للإيمان بقضاء الله. في الواقع نحن بنو آدم تواقون لمعرفة الإجابات والأسباب، هذا ما دفع أسلافنا القدماء لخلق أساطير عديدة عن سبب حصول الأمور السيئة مثل القبائل الافريقية التي حمّلت السحرة الأشرار مسؤولية حدوث الملاريا والطاعون، واليونانيون الذين أنشؤوا معبدا تحج إليه الناس تذرعا للشفاء حيث أن المعبد هو لإله الشفاء والطب أسكليبيوس حيث يتغطس الناس في بركة مقدسة ثم يرقدون في المعبد فيكشف الإله عن العلاج في حلم في المنام، ومن الخرافات الحديثة ما يسمى بقانون مورفي الذي يقول (لو استطاعت الأشياء ان تمضي في الطريق الخطأ فإنها ستفعل!). هذه كلها مجرد خرافات، والامور المزعجة والمؤلمة تحدث للأخيار والأشرار على صعيد متساوٍ وتحدث عندما نكون مستعدين لها أو غير مستعدين، الأمر أننا نركز عليها فقط عندما تباغتنا وتزعجنا فمثلا لن تلاحظ صراخ ابن الجيران إلا عندما تعمل على مهمة طارئة تحتاج للتركيز، عندها ستغضب وتقول أن الأمور السيئة تحصل لك فقط، بينما ابن الجيران يصرخ كل يوم وأنت لم تلق لهذا بالا. الكون لا يعمل ضدك ولا يستقصدك، في الواقع الكون واسع جدا، اوسع من يعرفك حتى أو يرغب في ايذائك. نحن نحتاج أسباب لنشعر بالعدالة ونشعر بأننا لسنا مظلومون، ولكن في أحيان استيعاب ماهية هذه الأسباب أمر لا نطاله، نحن نعلم أن تسونامي حصل بسبب حدوث زلازل بركانية تحت قاع البحر، ونعرف أن نوعا من البعوض ينقل الملاريا وأن عدم أخذ اللقاح للوقاية من هذا المرض سيجعلك معرّض له، ولكننا توصلنا لمعرفة هذا النوع من الأسباب بسبب العلم الحديث، غير أننا فشلنا في معرفة كثير من الأسباب الأخرى.. في نهاية المطاف يجب أن ندرك ان الكون يعمل وفق سلسلة من الأحداث.. حدث يتلو حديث يتلو حدث، ونحن لسنا بمعزل عن هذه الأحداث، سواء أدركنا ماهيّتها أو لم ندركها، هذا لا يعني أننا مظلومين أو أنه مغضوب علينا. في الواقع الإيمان بقضاء الله يغنيك عن وجع الرأس الذي يدفعك لتسأل "لماذا أنا؟ لماذا عليّ أن اتألّم؟" فالسبب في أحيان يكون غامض ولكننا مطمئنين أنه موجود ومطمئنين أنه عادل.