يحذر البعض من الانقياد خلف العواطف عند اتخاذ القرارات، إلا أنه توجد مواقف تستلزم أن نتوقف عندها ونتأملها، تثبت أنه ليس دائماً العقل والتفكير المنطقي كلاهما الطريق الوحيد إلى النجاح، فأحياناً بين معترك تقلبات الحياة، قد يومض نور الأمل، حتى وإن كان خافتاً، لعله رسالة إلهية حتى لا يتمكن منا اليأس، إذ إن الأمل هو الدافع الوحيد، غالباً، لتقديم التضحيات، لكن الأعظم من ذلك، و الأكثر نبلاً هو عندما تُقدم التضحية بدافع المحبة فقط، حتى لو كانت بدون أمل. على سبيل المثال في عام 1972 قام جون شناتر ببيع سيارته، إذ إن مطعم والده يواجه خطر الإفلاس، وكان والده بحاجة إلى المال للحصول على معدات طبخ تساعده على العمل، ورغم أن كل المؤشرات توضح أن المطعم سيفلس في كل الأحوال، إلا أن جون شناتر قرر المجازفة لأجل أبيه و باع سيارته. تمكن عندها الأب من تسديد التزاماته ودفع إيجار مطعمه الصغير، و كذلك اشترى معدات للطبخ، و مع الوقت تمكن من الانتقال إلى مكان أكبر، الأمر الذي أدى إلى إنتاج أفضل، وبعد بضعة أعوام، كانت أرباح المطعم فوق 1.5 مليار دولار وفروعه تتجاوز 4500 فرع، نعم إنها مطاعم «بابا جونز» الشهيرة. الغريب في الأمر، الذي لاحظته شخصياً على الأقل، أن التضحيات التي تُقدم مع القليل من الأمل و الكثير من المحبة، تكون معظمها من الطبقة الفقيرة، يذكرني هذا بمقولة الراحل د. أحمد عبدالله رزة، المعروف كخبير في مجال العلوم السياسية على المستوى الدولي، عندما قال: «في تاريخ مصر كان الأكثر انتماء والأكثر تضحية، هم الفقراء الذين لا يملكون شيئاً». إن قصة شناتر ذكرتني بقصة ويليام كامكوامبا صاحب كتاب «الفتى الذي طوع الرياح»، فعندما أراد بناء طاحونته لم يصدق أحد أن تلك الطاحونة ستكون ذات نفع وستتمكن من توليد الكهرباء، وصفوه بالمجنون و تم احتقاره، إلا أنه عندما احتاج إلى الدراجة الهوائية الخاصة بوالده لتكون القوة الدافعة للطاحونة، قام والده بعد تردد وتخوف بإعطائه إياها، رغم أن عائلته الفقيرة كانت تحتاج هذه الدراجة بشدة، ورغم أن الأب كان يميل إلى أن يكون في صف الناس الذين وصفوا ابنه بالمجنون، حيث لم يعلق أي آمال على نجاح تلك الطاحونة. و من المؤكد أنه لم يكن ليقدم الدراجة لو لم يكن ابنه الذي طلبها. غني عن القول إن الطاحونة ولدت الكهرباء للقرية بأسرها، والذي أصل إليه أنه أحياناً تكون المحبة هي بطلة قصة النجاح، وليس فقط المنطق ولغة الأرقام. يقول نجيب محفوظ: «وراء التضحية دائماً إيمان، وليس مجرد اقتناع عقلي». و في رأيي أن المحبة هي أسمى ما يؤمن به الإنسان.
لقراءة المادة من المصدر انقر على الرابط التالي:-