قبل أن يتمكن الطبيب الجراح الدكتور كريستيان برنارد، في عام 1967م من إجراء أول عملية زرع قلب، من امرأة توفت في حادث سير، لرجل في الخامسة والخمسين يعاني من مرض السكري.
أقول أنه قبل هذا التاريخ تحديداً كانت هناك الكثير من التساؤلات حول، هل ستنتقل مشاعر الحب والكراهية من المتوفى صاحب القلب، إلى الإنسان الآخر الذي نقل له القلب، رغم أن هناك الكثير من العلماء وضحوا وتحدثوا أن القلب عبارة عن آلة تضخ الدم وفق وظائف محددة لا دخل للمشاعر والأحاسيس بها، لكن تلك التساؤلات لم تأتي عبثاً أو عفوية، بل إنها نتاج سنوات وسنوات، بل عقود طويلة من عمر البشرية، تحدث خلالها الإنسان مطولاً عن الحب والصدق والوفاء وكل القيم الجميلة وأنها تخرج من قلبه أو من صميم قلبه، وبات القلب هو الشعار لكل جملة وكلمة معبرة دافئة، على سبيل المثال لا الحصر عندما يقول أحدهم: أنت داخل قلبي، أنت لك مكانة في قلبي... وغيرها الكثير من الكلمات الرقيقة التي زج بالقلب فيها، وبعد إجراء العملية الجراحية الأولى، ثم الثانية فالثالثة، فانتشار هذا النوع من العمليات الجراحية في كافة أرجاء العالم، اختفى التساؤل، رغم أننا لازلنا نوجه المشاعر الجميلة وكأنها صادرة من القلب.
اليوم تثار نفس هذه التساؤلات تجاه العقل، الذي استحال على العلماء حتى اليوم حتى الاقتراب منه، فكيف بالرغبة باستبداله مثل القلب، ومع تصاعد الاستحالة في معرفة الكثير من أسرار العقل البشري، ووقوف العلم عاجزاً، مع كل الإمكانيات والبحوث والفرضيات التي ضلت حبر على الورق، كبرت خرافة العقل أو تزايدت قدسيته لدى البعض واعتبروه هو الجوهر وهو الذي يحتوي كل شيء، وظهر من يقول بأنه يستحيل علينا حتى لمسه دون اعتلال وموت الإنسان.. وإذا أمعنا النظر جيداً، فأنت أمام عضو من أعضاء الجسم، ظل عصياً، بل هو أكثر أعضاء الجسم البشري محافظة على لغزه بعيداً عن الباحثين والعلماء، فعلميات التشريح لم تعطي إجابات، لأن العقل الذي كان بين أيديهم عبارة عن تجويفات وعروق ومسامات ونحوها، وتم رسمه ووضع فرضيات بمواقع غرف الذاكرة وغرف الحركة وغرف وظائف الجسم وغرف الأعصاب وغيرها كثير.. لكن هذه الكشوف رغم أهميتها بقيت دون فائدة عظيمة، يمكن أن تعتبر فتح للبشرية لعلاج أمراض مثل الزهايمر والشلل والعلاج من أثار الجلطات وغيرها كثير.
سأسوق لكم مثال على عجز الإنسان ليس لإحداث اختراق علمي، فهو بعيد، وإنما لفهم حتى وظيفة العقل نفسه، فهل تعلمون أن 20% من طاقتنا الجسدية، تذهب نحو العقل ليستهلكها تماماً، ولكن لماذا هذا الجزء الصغير من أجسادنا يستهلك كل هذه الطاقة؟ هذا هو السؤال الذي بقي دون إجابة علمية قاطعة، لأن هناك نظريات وأقوال وفرضيات لا أكثر، المستقبل لك أيها العقل، ومن يتغلب عليه، أو يقترب منه، فأهلاً بنوبل له...