لطالما سمعنا بأحاديث عن أبناء كانوا خلالها يشكون من تدخل الأبوين في قراراتهم المصيرية المستقبلية، مثل تحديد توجههم نحو التخصصات العلمية التي يدرسونها، أو الجامعات التي يتوجهون لها. البعض من هؤلاء الأبناء أو البنات، يضعون مثل هذا التدخل كسبب رئيسي عند فشلهم وإخفاقهم، أو عند تدني تحصيلهم العلمي، وهم في اللحظة نفسها لا يحاسبون أنفسهم على أوقات المرح التي كانوا يقضونها وسط العام الدراسي وفي غمرة المراجعات العلمية قبل الدخول لقاعات الاختبارات، بل ينسون غيابهم المتكرر عن المحاضرات، ثم يلقون بسبب الإخفاق على الأم أو الأب. ليس حقيقة أن تدخل الأبوين في مستقبل الأبناء شر، وغير مبرر، بل في أحيان يكون هذا التدخل مهماً، فلا يوجد مثل الأبوين أقدر على الحكم على مستوى أبنائهما الذهني، ومدى قدراتهم العقلية على التحصيل العلمي، وكم يبلغ ذكاؤهم، ثم الإيمان بقدراتهم ومعرفة تامة بالحد الذي يمكن أن يصلوا له. والأمثلة في هذا السياق كثيرة جداً عن آباء تدخلوا في مستقبل الأبناء ووجّهوهم نحو طريق لم يختره الابن، لكنه نجح وتفوق وبات رمزاً فيه على مستوى العالم. من مثل هذه القصص قصة العالم سانتياغو رامون كاجال، الذي حصل على جائزة «نوبل» في الطب عام 1906 وكان في مقتبل حياته يود التوجه نحو كلية الفنون، لأنه يهوى الرسم، لكنّ أباه لم يوافق على اختياره لهذه الكلية، وأدرك أن ابنه ليس فناناً تشكيلياً، وسيفشل في هذا المضمار لو تخصص فيه، ولن يبدع أو يتميز. لذا وجّهه وأجبره على الالتحاق بكلية الطب، وفي نهاية المطاف، حصد «نوبل». ليس هذا وحسب بل أصبح سانتياغو، أعظم عالم إسباني، ويخلد التاريخ القومي لبلاده حتى اليوم، بسبب كشوفه العلمية المذهلة في مجالات مثل الأعصاب واكتشاف أسرار النظام العصبي، وقبل هذا وبعده، لم يتوقف عن الرسم والتشكيل، فهي هواية لم يمنعه أحد من ممارستها، لكن تدخل الأب هنا، لم يخدم ابنه وحسب، وإنما خدم البشرية بأسرها عندما قدم لها عالماً أثرى مجالاً حيوياً مثل الطب تحتاج اليه كل المجتمعات، وقدم فيه كشوفاً علمية مذهلة ساعدت الكثير من المرضى ودفعت بهذا العلم نحو الأمام. ولكل فتاة وشاب نقول: إنه لمن الجميل أن تجد بجانبك أبوين لديهما شغف بتفوقك وتميزك، والأهم أن لديهما ثقة بإمكانياتك وقدراتك وذكائك، فلا تترك هذا يذهب هباء أمام رغباتك التي تحددها خبراتك المتواضعة في الحياة. فكر ملياً وبعمق، واعلم أن هذين الأبوين لا يمكن في أي لحظة أن يتمنيا لك إلا ما يجعلك أكثر تميزاً وتفوقاً، فاصغ لهما وفكر ملياً.
لمشاهدة المادة من المصدرأضغط على الرابط التالي: