رغم فوائد التكنولوجيا الحديثة، إلا أنها سريعة التطور، بمعنى أن التطورات فيها متلاحقة ومستمرة، لدرجة أننا كمستهلكين لا نتمكن في أحيان كثيرة من اللحاق بها، فبمجرد اقتناء جهاز ما، ولم يمض وقت على استخدامه ومعرفة جوانبه وكيفية عمل مميزاته كافة حتى نفاجأ بشركة أخرى قامت بإنزال نوع أفضل وأحدث وفيه مميزات أكثر وأفضل. لن أستعرض في هذا السياق أمثلة للتكنولوجيا شديدة التطور والمستمرة في مجال التحديث بشكل دائم، لكن في مجال الاتصالات والهواتف الذكية أعتقد أننا جميعاً نلاحظ مثل هذا الجانب بوضوح تام. في مجال شبكة الإنترنت، وتحديداً في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، والمعروفة لدينا، حالياً مثل «تويتر» و«فيس بوك» و«الانستغرام» و«كيك» وغيرها الكثير، نعتقد أنها بدأت من القمة ونحو الجماهيرية والإقبال الكثيف من روادها بشكل مباشر ومنذ تدشينها، لكن الكثير منا لا يعلمون أن هذه المواقع جميعها سبقها موقع مهم جدا وهو موقع «ماي سبيس».
هذا الموقع كان خلال عام 2004 تقريباً هو المتربع في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه بدأ بهذا المفهوم من ضمن خدماته، نعم مواقع التواصل الاجتماعي، وكان متفرداً ويعد في ذلك الزمن الأكثر زيارة على شبكة الإنترنت برمتها وعلى مستوى العالم، بل يعد هذا الموقع هو الذي طور مفهوم شبكات التواصل الاجتماعي وفق ما نراها ونعيشها اليوم، إلا أن هذا جميعه تلاشى أو بدأ يخفت نجمه منذ بداية عام 2007 واستمرت عمليات تناقص رواده أمام جموده وعدم أخذه لمبادرات لتنشيطه وتحديث محتوياته، حتى يقال إنه في عام 2013 بات واضحاً ضعف الإقبال الشديد عليه، بسبب منافسه القوي «فيس بوك» الذي سحب البساط منه وبات ترتيبه على مستوى العالم 529 تقريباً. من هذا كله نضع أيدينا على حقيقة مهمة وجوهرية تتعلق بعمل التكنولوجيا أياً كان نوعها أو شكلها أو الخدمات التي تقدمها، وهي أهمية التطوير والتحديث الدائم، لو قدر لك وقدمت منتجاً ما، فليس الإبداع الزج به في السوق وتحقيق مكاسب أو كما يقال ليست هذه المهمة الرئيسية لك، بل الإبداع الحقيقي هو أن تستمر أمام المواجهة والمنافسة الشديدة التي ستنشأ وتنمو وتكبر أمامك. قد تقدم منتجاً يجد النجاح والإقبال، لكن الآخرين يراقبون وليسوا نياماً، وسيدرسون منتجك وسرعان ما يقدمون ما هو أفضل وأكثر جدوى وفائدة، وعندها ستخسر. التكنولوجيا الحديثة تتميز بأنها مشاعة لا يمكن احتكارها أو حصرها أو منع تطويرها، فهي كالفكرة تماماً التي تصدر من شخص سرعان ما يلتقطها شخص آخر يطورها ويقدمها بشكل أفضل فيأخذ الأضواء.
إذا أمعنا النظر في كثير من المخترعات الحديثة سندرك أنها دوماً بدأت في ظل أناس سرعان ما انتقلت لآخرين، ولم تتمكن أي محكمة في العالم من الحد من هذه العملية التطويرية، لأنها حاجة، والقوانين دوماً وقفت عاجزة أمام حاجة الإنسان.
لمشاهدة المادة من المصدرأضغط على الرابط التالي: