في التاريخ الكثير من القصص عن أناس ألهموا البشرية بأشعارهم ورواياتهم ومنجزاتهم الفنية أو الأدبية، وهناك قصص كثيرة أيضاً عن موهوبين ومكتشفين قدموا مخترعات في غاية الحيوية لحياتنا بأسرها، ولكن أعينهم ارتوت برؤية ما اكتشفوه حقيقة على أرض الواقع.
لكن هناك قصص وحكايات تروى عن أناس قدموا حياتهم رخيصة للمبادئ التي آمنوا بصحتها ودافعوا عنها، وبعد عقد أو عقدين من الزمن يتم الاكتشاف بأنهم كانوا على صواب، مثل هذه القصص تبعث في النفس الألم والحزن في آن واحد، هؤلاء الأبطال ماتوا نتيجة للتخلف والجهل، قدموا حياتهم بسيطة ومتواضعة لقضايا أدركوا أنهم إذا لم يتحدثوا عنها، وإذا لم يحاولون تغيير نظرت الناس حولها وتنمية معارفهم عنها فإن هؤلاء الناس سيستمرون في العيش في الظلمة القاسية.
كما أسلفت فإن القصص كثيرة، لكنني لن أسرد في هذا السياق إلا مواقف بطولية للنساء، ليس تعصب، بل لأنه عرف على امتداد التاريخ بأن المرأة كائن رقيق وضعيف، ودوماً نسمع قصص عن الرجال الأبطال الذين يضحون بالنفس من أجل حماية الآخرين، لكن التاريخ حافل أيضاً بقصص لنساء كنا على درجة عالية من البطولة والصمود على المبدأ حتى تم قتلهن.
فهذه هي السيدة أوليمب دو كوج، تم قتلها بقطع رأسها بواسطة المقصلة في عام 1793م وهل تعلمون السبب؟ السبب ببساطة متناهية أنها كانت تؤمن بأن النساء مواطنات، نعم، نعم.. هذه هي جريمتها أنها كانت تدعوا لاعتبار النساء مواطنات، مثل الرجال في فرنسا، تم قتلها.. وخلدها التاريخ.
أيضا في عام 1943م تم قتل السيدة ماري لويز جيرو، والسبب أنها أجهضت خلال حملها، مرة أخرى نعم تم الحكم عليها الإعدام لأنها أجهضت حملها، حيث تم اعتبر هذه جريمة بحق العائلة الفرنسية. ولنستمع لقصة الفتاة التي انتهت حياتها في موينخ بوحشية وتحت أسنة المقصلة أيضاً والسبب توزيعها منشورات ضد هتلر ورفضها للحرب، لكنها لم تمت بصمت بل غادرت العالم بتهكم بالغ وبكلمات تنم عن الشجاعة والبطولة، حيث تسرد كتب التاريخ كلمتها الخالدة قبل لحظات من موتها، عندما قالت: "يا له من حظ سيء أن أضطر للرحيل من الدنيا في يوم مشمس ورائع كهذا". أسفها الوحيد هو موتها في يوم الأجواء فيه جميلة، لم تتحدث عن التراجع عن مبادئها، ولم تتكلم عن ندمها، بل تهكمت على جلادها حتى آخر قطرة من دمائها، لذا نحن نذكرها ولا نتذكر أياً ممن تسبب بموتها، إنه التاريخ.. وبالفعل فقد حصدت الحرب العالمية الثانية الملايين من الضحايا، ولو قدر وسمع العالم والألمان، كلماتها وآمنوا بها، لما فقدوا بلادهم وأبنائهم نتيجة التعصب لهتلر وحزبه النازي.. هكذا هم المبدعين والموهوبين والأبطال أصحاب المبادئ دوماً، أنوار تضيء في المجتمعات المظلمة المفعمة بالكراهية والأحقاد...