عندما تقرأ خبر في أحد المواقع الإخبارية العالمية، يقول أن هناك جدل على مواقع التواصل الاجتماعي ونقاش متحدم وساخن، حول حماية البيئة، أو حول البطء في تطوير الطاقة البديلة، أو حول ارتفاع حرارة الكرة الأرضية، أو حول جدوى الرحلات الفضائية وتكلفتها الباهظة أمام نتائجها العلمية المتواضعة، أو عن سبب ظهور فيروسات جديدة لم يعرفها الإنسان من قبل، أو حديث عن جهود العلماء في مجال الطب أو الفيزياء والكيمياء والرياضيات، في تطوير نظريات أو التشكيك في نظريات سابقة ومحاولة دحضها بمعلومات جديدة، هذا جميعه عندما تقرأ أن مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالحديث حوله، ويقدر في اللحظة نفسها أن لديك حساب في أحد هذه الموقع مثل تويتر أو الإتسغرام أو نحوها ويتابعك أكثر من عشرة الآف، وتتصفحه فلا تجد أثر لمثل هذا الخبر، فكن على يقين تام، بأن المقصود ليس عالمنا العربي، ولا من يتابعك، ولا أي من الحسابات العربية الغارقة في اجترار المحن، والوعيد لكل مخالف، ليس المقصود حساباتنا العربية، التي من خلال البعض تبث الكراهية والأحقاد، ونشر الشائعات والافتراءات. عندما تقرأ خبر يقول أن مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، يتنادى مشتركيها لتكوين رابطة وتشكيل صوت واحد ضد العنصرية والإرهاب وعدم التسامح، فلا تتوقع أنها دعوة انبثقت من أرجائنا العربية، لأنه ومع الأسف بيننا كثر من يمارس العنصرية المقيتة، وبيننا من يكره أي صوت قد يختلف عنه أو يعارضه.
هناك من جعل من حسابه على مثل هذه المواقع، مفتوح على تصفية الحسابات الشخصية، والترصد بكل من يخالفه والتشهير والتعريض به، وهناك من يوظف حسابه تحت شعار الدعوة إلى الله، لكنه يضيق بمن يختلف عنه، ولا تفهم بحق ماذا يقصد بدعوته، هل المقصود هداية الناس وتعريفهم وتذكيرهم بالله؟ أم هدايتهم لوجهة نظره فقط !. لن تجد على مواقع التواصل الاجتماعي العربية، - إلا ما ندر - قضايا عن التربية، وكيفية التعامل مع أطفالنا في هذا العصر المعلوماتي، ولن تجد هموم مبثوثة حول التعليم ومخرجاته، وهل تتواكب مع سوق العمل؟ لن تجد قضايا تطرح للنقاش والحوار تتناول الأمن المجتمعي والوطني، وكيفية مواجهة حركات التطرف والمد الإرهابي؟ ستجد غياب شبه تام لمفكري أمتنا العربية، ولن تجد إلا قلة ممن ينشر كلمات قيمة تستحق الاحتفاء.
النخب العلمية إذا وجدت، فهي أسماء شحيحة بسبب ضيق الوقت والانشغال، أو بسبب قلة من يسمع ويصغي، أو بسبب الخشية من الردود المتعجرفة السطحية والكلمات السوقية، هذه الصورة القاتمة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي العربية، تجعلنا نوجه لمن يكتبون ويتفاعلون بهذا الرقي كل التقدير والعرفان وإن كانوا قلة، أطباء، معلمين، أساتذة جامعة، ونحوهم، ممن يغردون ويكتبون بمواد ومعلومات في غاية الأهمية والفائدة، لكننا نتطلع للمزيد، نتطلع أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي فعلاً نافذة على المعرفة الجديدة، وتساهم في التوعية ووصول المعلومات الصحيحة الموثقة، وهذا لن يأتي بترك الساحة لأنصاف المتعلمين لطرح آراء يعتبرونها ملزمة للناس..