نعيش في حقبة العلم، حيث كل شيء يمكن تفسيره عن طريق التجربة والملاحظة ورغم ذلك لازلنا نتجاهل كلياً محاولات العلم في ضحد أقاويل واعتقادات جداتنا ولا زلنا نلجأ لها كل يوم دون أن نكلّف أنفسنا عناء التقصّي والبحث عن حقيقة هذه الاعتقادات، مثال على هذا ما يُعرف بالوحمة التي تظهر للمولود عند ولادته، وهي تلوّن أو تغير منطقة في جلد الطفل حديث الولادة تبهت مع الزمن، ورغم أنها حقيقة مؤكدة أن هذه العلامات ليست إلا تكتّل غير منتظم لعناقيد من الخلايا الاصطباغية وأحياناً بسبب تشكل غير سليم للأوعية الدموية، مما يسبب ظهور التلوّن على جلد الطفل، ورغم هذه الحقيقة إلا أن كثير من الأمهات لازلن مؤمنات أن ما يأكلنه خلال الحمل يؤثر على ظهور هذه الوحمة وشكلها، ولا شيء يؤكد هذا الاعتقاد غير أنها قصة يتناقلنها عبر الأجيال وحسب. وعندما تطرح لهم السبب الفسيولوجي في ظهورها فسيكون الرد: "لا يمكن أن يكون هذا صحيح! إن أم أحمد تقول أنها أكلت التوت فظهرت بقعة حمراء في ظهر ابنها، بينما أم خالد تناولت القهوة فظهرت بقعة بنية، القصة مختلفة مع أم سالم التي تناولت شوربة الأرانب فظهر على ابنها بقعة تشبه اذنيّ الأرنب!"
الأقاويل هي ما تدعم فكر واعتقاد كثير من الناس الذين لا يجدون الوقت للتأكد والتقصي ويستسلمون لما يتلقونه بل ويساهمون في نقله ونشره، وهذا يذكرني بالخرافات التي صنعها أرسطو مثل أن أسنان الرجل أكثر من أسنان المرأة وأن الكلب المسعور لا يصيب الإنسان بالسعار إذا عضّه وغيرها من الاعتقادات التي فكّر فيها أرسطو ونشرها على الملئ وتناقلها الناس في عصره كحقيقة تامة ويظهر اليوم جليّا أن العلم أثبت بطلان هذه الملاحظات، وأننا نحتاج دوما للتجربة لإثبات أي فكرة تطرأ على بالنا قبل التفوّه بها!
عانى جاليليو من هذا الفكر عندما اكتشف وجود أقمار المشتري بواسطة تلسكوبه ولكن الناس رفضت تصديقه وعندما حاول إقناع البعض بحقيقة وجود هذه الأقمار وقدم لهم عرض أن ينظروا بأنفسهم من خلال التلسكوب كانت القناعة لديهم بعدم وجود هذه الأقمار أقوى من إثبات غاليليو وقالوا أن الصور التي يعكسها التلسكوب ليست إلا خداع للبصر!
من الصعب جداً تغيير الطريقة النمطية والسائدة التي يفكر بها المجتمع وجعل الناس تؤمن بالملاحظة والتجربة بدلاً من الانغماس وسط أوهام الماضي والتمسك بها ولكن هذه هي معركة العلم الأزلية.