قد لا نلوم المواطن العابر أو كما يقال رجل الشارع عندما يخوض في نقاش غير منطقي أو عندما يقحم نفسه في مطالبات غير موضوعية، لكن نستغرب أشد الاستغراب عندما نرى ونقرأ لأحد الأسماء المعروفة بالثقافة والمعرفة بل ويتمتع بدرجة أكاديمية كبرى عالية مثل لقب – بروفسور – فنجده يتحدث في موضوع بكل فوقية وتعالي فيكيل الشتم والتحقير لقرار لم يعجبه أو لتنظيم لم يرق له، فيقوم بالتعليق عليه لمجرد التعليق لا أكثر أو مهاجمة مثل هذا القرار دون موضوعية أو فائدة تذكر للناس.. تداعت مثل هذه الكلمات عندما قرأت على موقع التواصل الاجتماعي تويتر كلمات لشخصية خليجية يضع أسفل اسمه لقب بروفسور ومتخصص في جغرافية الجريمة - نعم، جغرافية الجريمة – ولديه عدة مؤلفات قال في تغريدته: " أنه لمن المؤسف أن تكون هناك قيود على التبرعات المالية وتحكم فيها ". رد أحدهم عليه قائلاً يا عزيز: " يمكنك التوجه نحو الأحياء الفقيرة في بلدك وتوزيع أموالك على الفقراء وكفالة الأطفال، ولن يسألك أحد، أما إذا كنت تريد إرسال نقودك لداعش فهذا موضوع آخر" !.. وهنا لب الموضوع والقضية، لا توجد في دول الخليج أية قيود على التبرعات المالية في حال رغبت أن تقدم أموال للفقراء أو تدفعها للجمعيات الخيرية أو حتى عمل تحويل لأصدقائك أو لاستثمار وتجارة، لكن المشكلة الكبرى هي توجيه تلك الأموال للتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة أو داعش أو غيرها. كيف ندعي محاربة الإرهاب ونحن لم نجفف منابعه ومصادر تمويله، وكيف تتم أي عملية تجفيف الدعم المالي إذا لم تكن هناك قيود ورقابة على التبرعات الخارجية، وأقصد بالخارجية خارج نطاق البلد وخارج المؤسسات المعتمدة والجمعيات الخيرية المصرح لها في مختلف الدول حتى في أوروبا وأمريكا، بل كيف يأتي شخص يدعي البر والرغبة في المساهمة في عمل البر، ثم يستنكف عن تقديم المساعدة لأبناء بلده وأبناء جلدته، ويتطلع لدعم جهات مشبوهة وغير معروفة ولا يعلم أين كيف يتم صرف الموارد المالية.
في دول الخليج بصفة عامة، كانت مثل هذه الجوانب ولسنوات طويلة لا تخضع لأي رقابة، فيتم إرسال الأموال دون أي رقيب أو حسيب وفجأة أدركنا كيف يمكن للتنظيمات الإرهابية أن تمتلك كل هذه الإمكانيات المالية للتجنيد والتخطيط واستخدام وسائل التقنيات الحديثة وتوظيفها لفكرهم الضال المريض. طوال سنوات كان المواطن الخليجي بصفة خاصة والمواطن العربي بصفة عامة فريسة لشعارات كاذبة، ونظراً لأن النفس البشرية تتأثر فيغدق الناس أموالهم في سبيل مساعدة الفقراء والبؤساء، ولكننا جميعاً لا نعرف أين تصرف أموالنا ولا أين يتم توظيفها. أعتقد أنه حان الوقت لإيقاف مثل هذا النزف المالي، وتوجيهه التوجيه الأمثل الذي يضمن وصول تلك الأموال فعلا للفقراء والمحتاجين وأن لا تقع بيد الجماعات المتطرفة الإرهابية. وهذا الجانب لا يزعج أو يكدر صفو أي شخص، بل من البديهي أن يسعدني أن أعلم أن الأموال التي أدفعها ستذهب لتوفير مصل لعلاج طفل، أو لشراء ملابس لبنات في مقتل العمر تقيهم زمهرير الشتاء أو لترميم منزل لا يقوى على مقاومة رياح الشتاء القارص، أقول من البديهي أن تسعدني مثل هذه الإجراءات التي تضمن وصول أموالي لمن يستحقها فعلاً، لكن بنفس الوتيرة لن ترضي مثل هذه الإجراءات كل من في قلبه خلل أو سوء نية.