jوجد ضبابية وعدم معرفة لدى البعض بالدور الحيوي والمهم الذي يقوم به التراث في المجتمعات، ويخيل للبعض، خاصة خارج دول الخليج، ممن يكتبون ويتحدثون في وسائل الإعلام المختلفة أن هناك تعارضاً بين العناية بالتراث والاهتمام بالمستقبل، وغني عن القول أن مثل هذه الظنون والأحكام ضد التراث في غير محلها وتفتقر للموضوعية، وبعيدة عن المهنية والبحث والتقصي أيضاً . للتراث أثره الواضح في كل مفاصل الحياة الاجتماعية، ويكفي أن نعلم أنه يقوم بدور حيوي يتعلق بالحفظ للخبرات، إذ يعد موئلاً لتراكم الخبرات الحياتية التي يمكن البناء عليها والانطلاق، ذلك أن أي تقدم تشهده البشرية لم يأت من فراغ أو أنه جاء بين عشية وضحاها، بل لأنها استفادت مما سبقها من عمليات حدث فيها خطأ وصواب فتم انتقاء الصحيح وإهمال الخطأ . نظرة سريعة وسطحية إلى كل مخترع بشري ستجد أن له عمقاً في الزمن، لدرجة أن المصنوعات القديمة يتم المحافظة عليها في متاحف عالمية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعواصم أوروبية عدة مثل أول طائرة صنعها الإنسان وأول مركب تم الإبحار به، بل توجد متاحف بين جنباتها أول خيمة يتم صناعتها بالآلات الحديثة، غير تلك المعدات التي كانت تصنع الحبال وتقوم بعملية النسيج، هذه ليست في دول عربية بل في عواصم أوروبية، لدرجة أنهم يحفظون في متاحفهم حتى الأدوات التي استخدمت في تحويل حليب الأبقار جبناً أو زبدة . وجميع المعدات القديمة التي كانت تستخدم في الزراعة والصيد محفوظة، ولو قدر لك زيارة أي من تلك المتاحف في لندن أو مدريد أو غيرها من العواصم، فستجد أن هناك متاحف لحفظ حتى المقتنيات الشخصية لأناس رحلوا عن الدنيا منذ مئات السنوات، لكنهم اخترعوا أو اكتشفوا أو أثروا مجتمعات بشيء محدد، فكانوا علامة فارقة في تاريخهم، وبرغم هذا لم نسمع أو نقرأ كلمات تبدي المخاوف أو ترفض العناية بالتراث وصيانته، ولكم أن تعلموا أن رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية لهم متاحف محفوظة فيها خطبهم التي ألقوها وملابسهم التي ارتدوها في مناسبات حساسة، أو حتى الأقلام التي وقعوا بها اتفاقيات عظيمة أو قرارات حرب، ونحوها الكثير، ولم نسمع أية كلمة ترى أن هذا تجديف ضد المستقبل وضد التطور . ولو لم يكن هناك في العالم بأسره شغف بالتراث الإنساني، لما وجدنا في متاحف عالمية معروفة تقتني آثاراً فرعونية وأواني بيزنطية وإغريقية وغيرها، رغم أنها ليست ملكاً لهم .
في بلادنا، ولله الحمد، تطور كبير ونهضة شاملة لا تخطئها العين أبداً، حتى باتت مضرب مثل للعالم بأسره، نحن نستخدم الطاقة النووية السلمية ولدينا صروح طبية عظيمة، ورعاية اجتماعية قوية، ولدينا تعليم متنوع متطور، ولدينا مشاريع وخطط باتت على أرض الواقع للصعود للفضاء ويتم الآن بناء قاعد الفضاء الإماراتية، فهل سمع أحدكم في أي يوم أن عنايتنا بتراث الآباء والأجداد، رحمهم الله، كانت عائقاً أو سبباً لأي تراجع؟ سنواصل النظر للأمام، وسنعلي إرثنا الإنساني ونفاخر به العالم، جنباً إلى جنب مع كل وهج الحاضر ونور المستقبل
------------------------------------------------------- -
لقراءة المادة من المصدر اضغط الرابط التالي:
http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/e04523f5-11fa-474e-b15f-bdcb5cd2e912