استمعت قبل بضعة أيام إلى صديقة من أحد بلدان وطننا العربي وهي تروي قصة عن فتاة في عمر الزهور، توفي والدها، فقام إخوتها الأكبر سناً الذين باتوا الأولياء عليها بتزويجها برجل يكبرها بسنين عدة . وفي هذا البيت الزوجي غير المتكافئ والذي تم بناؤه وفق البيع والشراء كانت هذه الفتاة تضرب وتنتهك حقوقها الإنسانية كافة، وبعد فترة من العيش وسط هذا العذاب قام الزوج بتطليقها . في المناسبات الاجتماعية المختلفة يتم توجيه لوم شديد لهذه الفتاة لأنها منعزلة وتعيش في وحدة بعيداً عن الناس، وأصبحت توصف بالمريضة نفس
ياً والبعض يتهكم عليها بال "النفسية" . أعتقد أن هذه الحالة التي تتعرض لها هذه الفتاة طبيعية أمام هول ما تعرضت له منذ وفاة أبيها وحتى تزويجها وقسوة الزوج والإخوة، ثم نظرة تلك المجتمعات لها بأنها مطلقة وهي لم تكمل تعليمها، بينما تشاهد قريناتها في الجامعات يحققن أحلامهن بينما هي تم تدميرها، بعد هول هذه التجربة يريدون منها أن تضحك وتصبح مثلهن كأن شيئاً لم يكن، إنهن لا يلومن المتسبب الحقيقي بهذه السحابة من الحزن ولا يوجهن نقدهن نحوه، بل يعلقون عزلتها على شماعة المرض النفسي . في الحقيقة لا أعتبر الوحدة وبعض العزلة عن الناس مرضاً، بل إنني أحسب أننا نسيء الظن بالوحيدين، ولو قرأنا التاريخ لوجدنا أن الوحدة كانت رفيقة العظماء، لقد كان السياسي والفيلسوف سارتر طفلاً منبوذاً بسبب افتقاره إلى الفتوة، فقد كان قصيراً ونحيلاً ويعاني ضرراً في عينه اليمنى، وطرد مخترع الضوء توماس أديسون من مدرسته بعد تهكمات من معلميه وأصدقائه، وكذلك الكاتب الشهير ماركيز الذي كان يجول في الشوارع باحثاً عن شخص يقرأ ما كتبه، وإليزابيث ايكفورد أول طالبة سوداء في أمريكا كان يرفض الطلاب الجلوس إلى جانبها . الذي أريد الوصول إليه أن الظروف التي تجعل الناس يصبحون وحيدين تختلف لكنهم يتفقون في شيء واحد أنهم واجهوا الكثير من عواصف الحياة بقوة، صحيح لا ينتصرون جميعهم، فكم قرأنا قصص عن نضال آباء لأجل أبنائهم لكنهم في النهاية ماتوا وحيدين عندما تركهم أبناؤهم، بل وأيضاً نكرات لا أحد يعرفهم ولا أحد يعرف نضالهم في الحياة من أجل لقمة العيش وتربيتهم الحسنة لأطفالهم، ولكنهم ماتوا مرتاحي الضمير، وكم من عالم أو كاتب أو فيلسوف كان وحيداً منبوذاً لكنه انتصر وأصبحنا نعرف أسمه . في أحد مواقع التواصل الاجتماعي قرأت عن أم تقول إنها لاحظت أن ابنتها صارت تمضي ساعات في غرفتها ولا تتكلم مع أسرتها أو صديقاتها، فمنعت عنها استخدام هاتفها النقال وفصلت شبكة الإنترنت عنها، ليس هذا وحسب بل إنها بدأت تفتش أغراضها باستمرار، والسبب في جميع هذه الإجراءات ظنها أن ابنتها تعيش علاقة مع أحدهم، وفي النهاية تبين أن ابنتها تعاني نقصاً في السيروتونين أدى إلى إصابتها بالكآبة . والذي أخلص وأصل إليه أن الوحدة لا تستحق كل هذا الخوف، أعتقد أن الحل الأمثل للتعامل مع الوحيدين هو الاقتراب والتفهم . رسالتي إلى المجتمع: يجب أن نتوقف عن إساءة الظن بالأشخاص المنعزلين وأن نتوقف عن إطلاق الأحكام على حسب أمزجتنا، سواء كان الواحد منّا أماً أو أباً أو أخاً أو أختاً أو معلماً ومعلمة . يجب أن نقترب من بناتنا وأبنائنا وأن نواجه عواصف الحياة سوياً، فالأهل والمدرسة هم أقوى من يمكنه دعم ذوي الآمال المحطمة والكيان المكسور والقلوب الجريحة .
لقراءة المقال من المصدر اضغط هنا