لفترة طويلة من الزمن كانت العبقرية حالة نادرة وغامضة وعلى هامش اهتمامات العلماء والأطباء، لكنها في العصر الحديث أخذ الاهتمام بها يتزايد وباتت محل رصد وتحليل، وبدأت محاولات متواصلة تهدف لفهم غموض التعقيد في دماغ الإنسان وعلى مختلف الصعد البحثية . وكان تزايد قصص وحالات غريبة جداً غير مبررة علمياً سبباً في نمو مثل هذا الاهتمام وبات واضحاً أن هذا الحقل يحتاج للمزيد من الدراسة والبحث، من تلك القصص أن ترى طفلاً يتحدث لغة لم يسمع بها أبداً أو طفلة مصابة بإعاقة ذهنية وبمتلازمة "داون" حاصلة على جوائز عالمية في برمجة الحاسب الآلي، وفتى فاقد البصر ومصاباً بمرض التوحد لكن لديه قدرة هائلة على الحفظ، وأخرى تكاد إجاباتها السريعة جداً والخاطفة في المسائل الحسابية لا تصدق، وحالات كثيرة من الأطفال حول العالم لديهم قدرات ذهنية خارقة للعادة بكل ما تعني الكلمة، وحتى هذا العصر لم تجد مثل هذه القصص تفسيراً علمياً يوضح سببها .كتاب "جزر العبقرية" لمؤلفه الدكتور دارولد تريفيرت، وهو أستاذ الطب النفسي بجامعة وسكنسون، وهو معروف على مستوى العالم بأبحاثه في عقول المصابين بمتلازمة العباقرة النادرة، يسبر أغوار هذا الحقل الشائك ويحاول تقديم نظريات وإجابات علمية منطقية . أمضى المؤلف ما يقارب 47 عاماً منغمساً في عالم العباقرة، محاولاً الكشف عنها وعن أدمغة أصحابها وأدوارهم في المجتمع وإبداعاتهم العلمية والفنية وحتى الاقتصادية، لذا ستجد بين دفتي الكتاب قصصهم المثيرة جداً، هؤلاء الأشخاص الفريدون ذوو القدرات الرهيبة والمدهشة والذين يكون بعضهم إما مصاباً بالتوحد أو بالتخلف العقلي، أو اكتسب تلك القدرات المخفية نتيجة إصابة عرضية أو بسبب مرض في الجهاز العصبي .القسم الأول من الكتاب حمل عنوان "العقل في متلازمة العباقرة"، وخلاله تحدث عن هذه الحالات النادرة والمثيرة، وكيف جاءتهم هذه القدرات العقلية، وكذلك عن الاكتشافات الحديثة فضلاً عن تخصيصه لفصل عن الذاكرة الوراثية وآخر عن الأسرار الطبية وفرط التذكر . وفي القسم الثاني، تحت عنوان "العالم في متلازمة العباقرة"، يعرض الجانب اليومي من سير العباقرة، ويظهر هنا جانب عاطفي كبير في تعامل الأهل مع عجز أطفالهم وقدراتهم الخاصة وأعمالهم الفنية، كما خصص جزءاً لا بأس به للحديث عن العبقرية المكتسبة التي تظهر عند إصابة الجانب الأيسر من الدماغ، وكذلك العبقرية التي تظهر فجأة من دون التعرض لإصابة، واستعرض بعض القصص مع عجز العلم حتى الآن عن تقديم تفسير واضح لهذه الحالات . وفي القسم الثالث من الكتاب وتحت عنوان "أبعاد جديدة في فهم متلازمة العباقرة"، تحدث عن النبوغ بالصدفة العبقرية المكتسبة، والعبقرية المفاجئة تجلي الموهبة، والعبقرية الطبيعية مهارات كامنة في كل واحد منا والدخول إلى العبقرية الداخلية لدينا، والدماغ الخصب . في القسم الرابع، وكان تحت عنوان: "تدريب الموهبة"، تحدث المؤلف عما يجب فعله عندما نواجه طفلاً أو بالغاً لديه مهارات متلازمة العباقرة الخاصة، وهو فصل مهم للآباء والأمهات الذين يبدأون حديثهم ب "لدي ابن أو ابنة لديها . ."، ثم يصفون الطفل الذي غالباً ما يكون مصاباً بالتوحد أو بإعاقات أخرى، والتي تقدم مع هذه الإعاقات قدرات عقلية واضحة ومشابهة لقدرات متلازمة العباقرة، في مختلف المجالات الحياتية سواء في الموسيقى أو الرياضيات أو المجالات الميكانيكية والأهم من ذلك كيفية التعامل معها، في هذا القسم قدم دارولد، إجابات عن جميع الأسئلة التي قد تتبادر للذهن ومعها نصائح علمية وتلميحات مهمة اكتسبها من خبراء في تعليم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والمهارات الخاصة .وفي القسم الخامس وتحت عنوان: "رحلة العبقرية بدأت للتو" قال المؤلف: كانت السنوات الأخيرة من القرن العشرين تركز على تقدم الأمراض القلبية وعلاجها ومعرفتها، ومن ضمنها عمليات نقل القلب والتي لم تتصور في السابق، وعلى هذا الأساس يمكن أن نطلق على هذه السنوات "زمن القلب" وفي المقابل، ومن دون شك فإن السنوات القادمة في القرن الحادي والعشرين سوف تكون "زمن العقل" هذا الجزء المعقد والهائل والمدهش والمنيع في جسم الإنسان .وبما أن الدماغ أكثر الأعضاء تعقيداً في جسم الإنسان، فمؤكد أن هناك خفايا وأسراراً لم تكتشف عنه بعد، لا يمكن إدخال منظار إليه كما هو الحال في الجهاز الهضمي وأغلب أجهزة الجسم ولا يمكن أخذ عينة من النسيج مثل الأعضاء الأخرى، وباستمرار هناك وسائل جديدة تتطور مع الوقت، ومن ضمنها التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير السيني للدماغ لمشاهدته أثناء العمل، وبهذا المعنى رحلتنا للفهم الكامل لوظائف الدماغ قد بدأت للتو، والرحلة أمامنا .جاء الكتاب في 382 صفحة من القطع الكبير معه أسطوانة فيها مادة فيديو تشرح أهميته وتساعد على فهم محتواه، وقام المترجم بندر محمد الحربي، بنقله إلى اللغة العربية، وهو من منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون .
لمشاهدة المادة من المصدر أضغط على الرابط التالي: