لا غنى لأي أمة عن مفكريها وروادها، بل لا غنى لأية حضارة عن المعرفة والعلم الذي سيساعدها على نموها ونهضتها، ومن دون وجود نخب من المفكرين والملهمين والمخترعين، ومن دون وجود حراك علمي وثقافي وحوار تسمع أصواته دوماً كأنه نشيد يطرب الجموع ويعلن عن عشقه لفكرة التطور والتقدم، فإنه لا يمكن أن تنتج عوامل التميز الأممي، ولا يمكن أن ترتقي في السلم الإنساني وتكون لك بصمتك في هذا الكون .إن نشر مظلة العلم باتت حاجة ولم تعد ترفاً أو خياراً، ونشر قيم التسامح والمحبة بات أكثر إلحاحاً في عالم تسوده الاضطرابات والخلافات الجوفاء التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فقط يغذيها التعصب والفئوية على مختلف أصنافها وأشكالها، الحوار وتبني المعارف المختلفة هما أيضاً أساسيات أدركتها أمم تعيش اليوم أكثر توهجاً وأكثر تقدماً .كثير من أمم الأرض تجاوزت الكثير من المفاهيم والمصطلحات التي وضعتها للدلالة على جانب محدد، وبات لها مفهوم جديد يتوافق مع العصر ومسيرته، من هذه المصطلحات مفهوم الأمية أو مفردة الأمية وما تعنيه، ففي كثير من دول العالم باتت هذه الكلمة تطلق على كل من لا يستطيع استخدام الكمبيوتر، أو يجهل التقنية الحديثة في حدها الأدنى وهو الدخول إلى شبكة الإنترنت وتصفحها والاستفادة من خدماتها، هذا هو الأمي . أما في عالمنا العربي فتشير هذه المفردة إلى كل من لا يجيد القراءة والكتابة، وهنا مربط الفرس، أو كما يقال الهوة أو الفجوة التي من خلالها نستطيع أن نتبين حجم الاختلاف بين حضارتين وأمتين .الاختلاف بين أمة وأخرى لا يمكن قياسه بالثروات ولا بالتاريخ ولا بعدد السكان أو بالمساحة الجغرافية، كذلك لا يمكن أن تلقي التهم جزافاً على كل مجتمع ووصفه بالتراجع من دون أن تكون بين يديك ملامح ملموسة لمثل هذه التهمة . هناك معايير عدة تحاول أن توضح جوانب التقدم والتراجع في كل مجتمع . مفاهيم مثل الأمية، وكيف يتم تعريفها في كل بلد، يمكن أن تقيس الهوة والفجوة بين أمتين من أمم الأرض، فمن خلال أعداد المدارس والجامعات وكليات الطب، ومن خلال أرقام الإنتاج ومدى ما يتم في المجتمع من حوار وحراك ونمو طبيعي . غني عن القول إننا عندما نقول العالم العربي فإننا نضع الجميع في سلة واحدة، ومن دون شك هذا ظلم بالغ، فدول حققت مراتب متقدمة على سلم النهوض والبناء الحضاري، وبات الإنسان فيها محوراً وهاجساً لكل خطط التنمية فالرعاية الصحية متوفرة والرعاية الاجتماعية تغطي الجميع، بل إن أرقام أمية القراءة والكتابة لم تعد تذكر وهو ما يعني انتقالها للأمية التقنية، والإمارات خير دليل في هذا السياق بكل ما حققته من منجزات كانت محل تقدير وشهادة من منظمات دولية تعنى وتقيس الرفاه الإنساني والشفافية والنمو والتنمية في مختلف دول العالم، لكن الذي يحزن بحق أن تصدمك أرقام لنسبة الجهل بالقراءة والكتابة في كثير من البلدان العربية، ونسب عالية من الأطفال خارج مدارس التعليم حتى الأساسي، ثم يأتي من هذه البلدان، تحديداً، من يتحدث عن تغيير العالم وأننا يجب أن نبني الحضارة ويدعو للكراهية والتصادم . . إلخ من مفردات الكراهية . وفي هذا السياق، لماذا لم ينشغل أمثال هؤلاء بالأطفال الذين لا يجدون مقاعد في المدارس الأساسية؟ ولماذا لم يأخذوا على عاتقهم بناء مجتمعهم القريب منهم بناءً معرفياً وعلمياً، رغم أنهم متعلمون ويحملون شهادات عليا؟ هذا جانب آخر من جوانب الاختلاف بين التقدم والتراجع، فقد تجد من يحمل شهادات عليا، لكنه غير مثقف وغير مهموم بالآخر القريب منه، فهو مهموم بالشعارات الرنانة وحسب .
لمشاهدة المقال من المصدر أضغط على الرابط اتالي:
http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/379f4003-b3a1-4055-a16f-0a234a571645