في عالم اليوم تذهلني بعض المواقف التي تمر بي خاصة في بعض المناسبات الاجتماعية، وعندما يكون المجلس النسائي مكتظاً، حيث تسمع قصص متنوعة وغريبة وفعلاً تعد فرصة لرصد، وإن كان غير دقيق، لحالة الناس وما يشغل تفكيرهم وتطلعاتهم . قبل فترة كانت من بين الحاضرات امرأة مسنة تشكو من ابنها الذي تطلب منه دوماً أن يوصلها لأي مكان للتسوق أو لزيارة قريبة لكنه يرفض ويقول إنه مشغول، ومرة يقول لها: ما عندي وقت، أو سوف يتأخر على عملٍ مهم لديه أو إنه يشعر بالإرهاق والتعب ويريد أن يرتاح . الفضول قاد امرأة ممن حضرن تلك الجلسة فسألتها، أين يعمل ابنك؟ فضحكت المرأة المسنة وقالت: يدرس في الجامعة . امرأة ثالثة تدخلت في الحوار بشكل مباشر وقالت: والله كلهم نفس الشيء، بين أيديهم هذه الأجهزة وما حد يتكلم معك، مشغولين ولا نعلم بماذا؟
وقالت المضيفة: إن أبناء جيل اليوم تغيروا تماماً وباتوا حتى خلال جلساتهم مقصرين بالسؤال وقليلين بالكلام . واستمر الحديث في هذا السياق والشكوى، والمذهل أنني وجدت شبه إجماع على قضية الانشغال، سواء من الشباب أو الفتيات وابتعادهم عن خدمة الأم أو الأب، بل عن تفاصيل الحياة اليومية، وكأنهم يقيمون في فندق يحضر الطعام والشراب لهم يومياً، ولا يعودون للبيت إلا للاستراحة والنوم، ثم المغادرة . مع الأسف، هذا واقع ونعيشه، وإن كان من دون تعميم على الجميع، لكنه واقع قد تشاهده وتسمع الشكوى منه، لكن لماذا؟ لماذا وصلنا لهذه المرحلة؟ النقطة الأساسية تتعلق بالمربين أنفسهم وأولهم الأب والأم، ماذا لو تم سحب مفاتيح السيارة من هذا الابن الذي لم يجد وقتاً لخدمة أمه؟ ماذا لو تم معاقبته بمنعه من الخروج من المنزل لفترة من الزمن؟ ماذا لو تم معاقبته بسحب الأجهزة الحديثة التي بين يديه؟ الأب والأم لديهما وسائل عقابية عديدة لكنهما يشفقان على أبنائهما شفقة مبالغاً فيها، فيتم التدليل وعدم الضغط عليهم بل حتى عدم التوجيه والإرشاد وتركهم يدخلون ويخرجون من المنزل من دون سؤال أو تقصي أين يقضون وقتهم . كم مرة نشاهد امرأة مسنة تقوم بتقديم القهوة والشاي لضيوفها وبناتها في مقتبل العمر ولا واحدة منهن تتحرك لتأخذ أبريق الشاي من أمها، ثم نزعل ونشعر بالحزن والغضب لأن بناتنا وأبناءنا لا يقومون بخدمتنا أو بمساعدتنا، بل لا يحترموننا في أقل تقدير . يجب ألا نلوم الأبناء على هذا السلوك وإنما نلوم أنفسنا على تربيتنا التي كانت قاصرة وكنا خلالها نقدم المنح والعطاء من دون أن نشعرهم بقيمة ما بين أيديهم، ومن دون أن نعلمهم احترامنا وتقدير ما نفعله من أجلهم .
لقراءة المقال من المصدر: